قال أرقم وقد انحدرت على خديه دمعتان: وينبئه أرقم الرمال بما لقي في صحبتك يا نوركلدي.
وراح السلطان يحفر الخندق بيده ويحمل التراب على كتفه، ثم أخذ يرتب الجيش ميمنة وميسرة، وركب حصانه يرتب الأمراء ويتفقد العسكر صفا صفا، وهو يبث فيهم من روحه وينفخ فيهم من عزمه. من ذا يرى اليوم هذه الكتائب المتراصة قد أجمعت نيتها على النصر أو الموت، فيذكر ما كان يدب في صفوفها أمس من عوامل الخذلان والهزيمة؟!
تلك همة السلطان قد جمعتهم قلبا، ووحدتهم رأيا، وشدتهم عزيمة، وما كانوا لولا السلطان الشاب إلا فلولا مبعثرة قد توزعتها الأهواء وتقسمتها الشهوات.
وبني حائط يستر المكاحل والمدافع، وقد فغرت أفواهها ذات اليمين وذات الشمال تأخذ العدو من حيث بدا له أن يبدأ الهجوم ...
وأدار جان بردي الغزالي عينيه فيما حوله، فرأى من وسائل الدفاع ما لم يخطر مثله على باله، فأكلت قلبه الحسرة. توشك والله هذه القوة أن تأكل جيش ابن عثمان أكلا، وترميه أشلاء على ظهر الطريق، فماذا يكون من أمره وأمر خاير بك لو انتصر المصريون على جيش ابن عثمان وعادوا إليه، وإلى صاحبه يناقشونهما حساب الماضي وما أسلفاه من الخيانة؟
واختار جان بردي مملوكا يأتمنه على السر، فأفضى إليه برسالة يحملها إلى ابن عثمان.
ووقف السلطان سليم على أسرار الدفاع قبل أن تنشب المعركة، فدبر أمره لإحباط خطة السلطان طومان باي ...
ونفذ جيش العثمانيين من وراء الجبل، فأطبق على الجيش المصري بغتة من وراء وجاءه من مأمنه، وتعطلت المكاحل والمدافع فلم ترسل قذائفها، ولم يبق إلا السيوف يتجالد بها الأبطال، وجال طومان باي بسيفه وحوله طائفة من أصفيائه، ومضوا يشقون طريقهم بين صفوف الروم يقصدون قلب الجيش، فنثروا الرءوس وقدوا الدروع، وشقوا المرائر وجندلوا الأبطال، ولم يثبت لهم شاب ولا شيخ، ولكن ماذا يجدي عليهم أن يصرعوا مائة أو ألفا، وإنهم لآحاد بين مئات الألوف، وقد بعثرت المفاجأة جيشهم من ورائهم فليس لهم ظهر يحميهم أو جناح يؤازرهم ... وفي يد العدو قذائف البارود وليس في أيديهم إلا السيوف؟!
ونظر السلطان طومان باي وأصحابه فيما حواليهم فإذا هم فرادى، وقد تمزق جيشهم شراذم مدبرة يطلبون النجاة من النار والبارود، وأيقن السلطان بالهزيمة فتقهقر وهو يجيل سيفه في يده يدفع به عن نفسه، حتى خرج من زحام المعركة ...
وسقطت القاهرة في يد العثمانيين قبل مغرب الشمس.
अज्ञात पृष्ठ