ثم ابتسم ابتسامة خابية وهو يقول: ولكن السلطان لا يخشى تدبير خاير؛ لأن أبا النجم الرمال لم يخوفه إلا سيباي أمير الشام، فهو دائم الحذر منه تصديقا لنبوءة ذلك الدجال ...
قال أبرك: فهل سماه له الرمال باسمه يا مولاي؟
قال طومان ساخرا: أحسبه قال له: إن عرشه سيكون من بعده لأمير أول اسمه س!
قال أبرك في همس وقد زاغت عيناه وحال لونه: أول اسمه س؟ فما أحراه يا مولاي أن يأخذ حذره من السلطان سليم ابن عثمان، ويقطع ما بينه وبين خاير من علائق المودة!
قال طومان غاضبا: اخسأ عليك اللعنة! وهل هانت مصر حتى يكون عرشها لسليم بن بايزيد! إنما هي شعبذة دجال وأوهام شيخ مريض!
ثم سكت برهة يفكر وعاد يقول في هدوء: لا عليك يا أبرك مما نالك من غضب السلطان، وستعود بإذنه إلى قلعة حلب؛ لتكون لنا عينا وأذنا، ولن ينفذ لخاير بن ملباي تدبير وعلى ظهرها طومان باي!
ثم شيع غلامه إلى الباب وعاد إلى مجلسه يفكر ...
كانت مرعش وديار بكر وما يليها من تلك البلاد إمارة مصرية، وكان يحكمها من قبل سلطان مصر الأمير سوار، ولكن هوى سوار كان مع بني عثمان، فجرد السلطان قايتباي حملة فهزمه وفرق جنده وقاده أسيرا إلى القاهرة، ثم أمر به فشنق على باب زويلة، وجعل إمارة مرعش من بعده لأخيه علاء الدولة، وفر أبناء سوار إلى ابن عثمان فأقاموا في جواره، ينتظرون أن تسنح فرصة تعود بهم إلى كرسي الإمارة ويخلعون عمهم علاء الدولة، وعاش علاء الدولة أميرا على تلك البلاد خائفا يترقب، والشر يتربص به من ثلاث جهات، فوراءه أبناء أخيه يأملون أن يعود إليهم عرش هذه الإمارة، وعن يمينه ابن عثمان ملك الروم لا تزال نفسه تراوده ليبسط سلطانه ويوسع رقعة ملكه، وعن يساره الشاه إسماعيل الصفوي - أمير العجم - يطمع أن يحتاز هذه البلاد؛ ليتخذها قاعدة للهجوم على الشام ومصر. وفي نفس علاء الدولة مع ذلك كله أمل في الاستقلال عن سلطان مصر!
وكان السلطان بايزيد العثماني يحكم بلاد الروم قبل أن يغلبه على العرش ولده سليم، وكان سليم فتى في عنفوانه واسع الطموح بعيد مطارح الآمال، فما كاد يثب على عرش أبيه حتى توجس إخوته الشر، فتفرقوا في البلاد فرارا من بطشه، فمنهم من استجار بالشاه إسماعيل الصفوي، ومنهم من عاش في جوار السلطان الغوري، فاشتجرت أسباب الخلاف بين الدول المتجاورة، وكان لا بد من بعدها أن تشتجر الرماح.
وعبأ السلطان سليم جيشه يقصد بلاد الصفوي، وما كان له أن ينفذ إلى حيث يريد، وفي الطريق علاء الدولة أمير مرعش وديار بكر، فكتب علاء الدولة إلى السلطان الغوري يؤذنه بنية السلطان سليم ويلتمس معونته، وكتب إليه السلطان سليم يشكو إليه عامله علاء الدولة ويسأله حق المرور، وكان الغوري يخشى السلطان سليما، ويحذر الصفوي، ولا يأمن غدرة علاء الدولة، فكأنما عاوده داؤه القديم، وخيل إليه أنه مستطيع بسياسته التقليدية العتيقة أن يغري بعض أعدائه ببعض، ويخلي بينهم حتى يتفانوا، فكتب إلى علاء الدولة يأمره أن يعترض سبيل ابن عثمان، وكتب إلى ابن عثمان يغريه بعلاء الدولة، ويصفه بالعصيان والمروق من الطاعة ... وأيقن أن الغالب منهما سيولي وجهه شطر إسماعيل الصفوي، فيخلص من الثلاثة أو يكسر شوكتهم في وقت معا ... ووقف ينتظر.
अज्ञात पृष्ठ