ثم نهض فأصلح هيئته وخرج إلى الطريق، فلم يعد إلى داره إلا حين أوشك الصبح.
ومضى يومان، ثم أبصر الناس في ميناء دمياط مركبا شراعيا يتأهب لرحلته، وقد جلس في صدره شاب في عنفوانه إلى جانب زوجته، وبين يديهما بنون وبنات، يتبعه مركب آخر قد احتشد فيه طائفة من المماليك كأنهم حاشية ذلك الفتى ...
وقطع الملاحون حبال المرساة وشدوا القلاع، فاتخذ المركبان طريقهما نحو الشمال حتى ابتعدا عن الساحل، ثم غير الملاحون وجهتهم نحو الشرق، يقصدون بلاد ابن عثمان ...
ورفت ابتسامة على شفتي ذلك الفتى وهو ينشد لنفسه:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها
ولكن أخلاق الرجال تضيق
الفصل الثامن والعشرون
أول الطريق
عاد أبرك من حلب مغاضبا لأميرها خاير بن ملباي، وكان أبرك نائبا لقلعة حلب من قبل السلطان الغوري، وعينا على أمير المدينة من قبل مولاه طومان باي الدوادار الكبير ...
ومثل أبرك بين يدي السلطان ليقص عليه أسباب الخلاف بينه وبين الأمير، ولكن السلطان لم يكن بحاجة إلى أن يسمع شيئا عن خاير، فهو يثق به ثقته بنفسه، ويوليه من بره وعطفه ما لا مطمع بعده لمستزيد، فما كاد يرى أبرك ماثلا بين يديه حتى انهال عليه تقريعا وملامة، فلم يأذن له في كلمة أو يقبل منه معذرة، فغادر مجلس السلطان لا يكاد يتبين موضع خطاه من الغيظ والحنق؛ فقد كان السلطان في حال شديدة من الغضب، فلولا أن أبرك هو غلام الدوادار الكبير، لكان حقيقا بأن يناله من غضب السلطان في ذلك اليوم شر عظيم!
अज्ञात पृष्ठ