إذن فهو ذاك، وأول اسمه س، وإنه لأهل لأن يتطلع إلى العرش! - لا لا، لن يكون ذلك يا سيباي، ولو اجتمعت إليك عسكر مصر والشام!
ودعا الغوري حاجبه فأمره أن يطلق سراح أبي النجم الرمال، ثم أرسل يدعو وزراءه وأصحاب مشورته إلى اجتماع بالقلعة؛ للمشاورة في أمر سيباي العاصي، الذي يطمع في ولاية عرش مصر بعد السلطان، كما أنبأه بذلك أبو النجم الرمال!
دار الغوري بعينيه في القاعة يبحث عن طومان باي، فلم يره بين المجتمعين من أمراء البلاط، فعبس وهو يقول لنفسه همسا: لا يزال ذلك الفتى يشغله هواه عن نفسه!
ثم التفت إلى كبير أمنائه يقول: هيه! ماذا وراءك من أخبار ذلك العاصي يا أمير قايت؟
قال قايت الرجبي: إن سيباي يا مولاي يطمع فيما ليس من أهله، وقد اجتمع إليه دولات باي - أخو العادل طومان باي - يطمع أن ينال ثأر أخيه، وأحسب أن علاء الدولة أمير مرعش يمد له يد المعونة، وأن لابن عثمان ملك الروم أصبعا في هذه الفتنة، فالأمر جد خطير كما ترى يا مولاي، ولا بد أن نقضي على الفتنة في مهدها قبل أن يستميل سيباي أمراء الأطراف، فيجتمعوا إليه ويستقل بالشام!
قال الغوري: هو ما قلت يا أمير، وسأرميه بك لترده إلى الطاعة بالإحسان أو بالسيف، فخذ الأهبة لتكون على رأس تلك الحملة، وستجد من معونة خاير ما يسهل لك الأمر، فقد رسمت اليوم بأن يلي إمارة حلب؛ ليكون عونا لك على سيباي، وسيخرج إليها قبل الحملة بأيام ...
خفق قلب قايت فرحا، وتدانى له الأمل البعيد، هذه هي الخطة كما أحكم تدبيرها بدر الدين بن مزهر، لا يكاد السلطان يخامره ريب في أمر القائمين بها، فلم يتكلف قايت شيئا من المئونة في تنفيذ ما اعتزم واعتزمه المتآمرون معه، وتمثل له في الخيال موكبه حين يعود من الشام سلطانا، يشق القاهرة من باب النصر إلى الشرابشيين، إلى باب زويلة، إلى باب الوزير؛ حتى يبلغ الرملة فيثب إلى العرش، ويجلس إلى يمينه بدر الدين بن مزهر؛ ليكون كبير الأمناء مصريا من هذا الشعب لأول مرة في تاريخ حكومة المماليك ... ويساق السلطان الشيخ مقيدا إلى برج الإسكندرية أو قلعة دمياط؛ ليقضي ما بقي من أيامه يرسف في الأغلال، أو تسبق إليه طعنة من يد جركسي يطلبه بثأر ...
وطال صمت قايت، وتتابعت على عينيه صور شتى، فلم ينتبه إلى مكانه من مجلس السلطان إلا حين عاد الغوري يقول في صوت رفيق: ماذا قلت يا أمير؟ إنك لتفكر في الأمر طويلا، وما أحسبه بحاجة إلى كد الخاطر؛ فإن حملة يقودها الأمير قايت لا بد أن تعود منصورة مظفرة ولم تلق كبير عناء!
قال قايت باسما: بتأييدك وكريم معونتك يا مولاي، فإن شئت فسأكون على الأهبة بعد أيام ...
قال الغوري: لا تعجل؛ فإن الأمر أهون من ذلك، ثم إني أريد أن يسبقك إلى حلب نائبها الجديد خاير بن ملباي، وأن يتبعه ابن أخي طومان باي، فإن له تدبيرا أرجو أن يتم به النصر سريعا إن شاء الله!
अज्ञात पृष्ठ