وأولئك الأدعياء الناعتون نفوسهم بما ليس فيهم، المتلمظون لأن الفرص سنحت لهم ضلالا بأن ينزلوا الأذى بما يحيط بهم. وهم يحسبون واجب البشر كله في إيقاف الجهود على إشباعهم وإرضائهم - كيف تذكر أولئك إن لم يكن بلهجة الازدراء والأخطار هذه:
آل الغرور لقد ساقوا نجائبهم
شرقا فغربا فداست كل ما لاقت
ظنوا الزمان على رغم يطاوعهم
وأن أوقاته طوعا لهم راقت
وليس إلا عدوا سوف يفجأهم
برقط غدر إلى عاداتها اشتاقت
ألا يذكرك هذا البيت، لا سيما الشطر الثاني منه، بالمعري وآرائه في الدهر وعربدته على الدنيا التي كثيرا ما يشبهها بالحية الرقطاء؟
وهكذا تجد عائشة الألم عوضا عن الهناء. وليست الآلام الملموسة البارزة أنكأ الآلام. بل قد نفضل أحيانا أن نصاب بما يسحقنا ويجرفنا بشدة جرف العاصفة لأوراق الخريف، بدلا من معاناة ما نسكت على مضضه مما نأنف التفكير فيه مليا، ونستنكف شرحه مع عجزنا عن مقاومته والابتعاد عنه.
ولربما آثرنا الداهية الدهماء تعبث بنا فتذرنا هباء، على مقاساة نكال متقطع متتابع كوخز الإبر. نكال لا هو يشتد فيقتلنا، ولا هو يكف لحظة لنتخدر. ولا يكون عقابا على ذنب فنثوب ونتفادى. بل كثيرا ما يجيء مكافأة على الحسنى فيفعم القلب مرارة. •••
अज्ञात पृष्ठ