فلذت بالصمت متحاشيا الإجابات التقليدية التي يضيق بها. فعاد يقول: ولا آي نفسه يعرف، قرص الشمس وحده يشرق بعد الغروب، أما تحتمس فلن يرجع إلى هذا الوجود مرة أخرى!
وهكذا أعلن حربا أبدية على الضعف والقبح والحزن. ومضى في طريقه المجهول مثل شعاع الشمس، تنذر بوادره كل يوم بجديد، حتى لقيته ذات صباح مشرق شاحب اللون في خلوته، مستقر النظرة، ثابت الجنان، فقال لي دون أن يرد تحيتي: ليست الشمس شيئا يا مري رع.
فلم أدرك مقصده، فجذبني إلى مجلسه فوق الحصيرة وقال: استمع إلى الحقيقة يا مري رع. ليلة أمس أسكرني الشوق بلا خمر، وتجسد لي الظلام جليسا أنيسا كالعروس المتجلية، وحلقت بي نشوة آسرة في الفضاء، وهناك عبر ألف خيال وخيال بزغت الحقيقة للفؤاد أقوى من أي منظر تراه العين، وترامى إلي صوت أجمل من عبير الأزهار، فقال لي: «املأ وعاء قلبك بأنفاسي، واطرد عنه ما ليس مني، أنا القوة التي تتسلل منها قوى الوجود، أنا النبع الذي تتدفق منه الحياة، أنا الحب والسلام والسرور، املأ وعاء قلبك مني ويسره مشربا للمعذبين في الكون.»
ومن شدة تألقه تراجع رأسي في انبهار، فقال لي: لا تخف يا مري رع، ولا تبتعد عن السعادة!
فغمغمت وأنا ألهث: يا له من نور!
فقال بعذوبة صافية: تعال لتعيش معي في الحقيقة ...
فاعتدلت في جلستي وقلت: إني معك إلى الأبد.
ومنذ تلك الساعة السعيدة صار أول كاهن للإله الواحد الذي لا إله غيره، وغدا معلمي وأستاذي، ورائد من لبوا النداء. وقلت له: آمنت بإلهك.
فقال بحبور: أحسنت، ولتكن أول كاهن في معبده.
وأعلن إيمانه لخاصته، ولكنه لم يتعرض للآلهة إلا فيما بعد، وبالتدرج أيضا، فأعلن كفره بالآلهة الزائفة أولا، ثم ألغاها ووزع أوقافها على الفقراء في خطوة تالية. أما على عهد إمارته فلم يكن بوسعه في حكم والده أن يكون صاحب قرار. وقد تزوج من نفرتيتي وهو ولي للعهد، فوهبه الزواج سعادة كبرى، غير أن أسعد ما أسعده حظي به من إيمانها الصادق بإلهه. وفي أخت آتون تبوأت مركز الكاهن الأكبر للإله الواحد، ولما عزم مولاي على مصادرة المعابد قلت له: إنك تتحدى قوة ذات نفوذ قديم على الناس من النوبة حتى البحر.
अज्ञात पृष्ठ