هذا الفريق أن يخلق الله إنسانا بإلغاء صحيح العقل وينطق لسانه بلغة العرب أو بأي لغة شاءها الله عز وجل فيهتدي بها من غير مواضعة وتوقيف. ودليل ذلك حين تبلبلت ألسنتهم ببابل، وللفريقين فيه متعلق. فقال أهل المواضعة: إن اهل كل ناحية مكثوا زمانا يتواضعون بينهم حين سلبوا السريانية. وقال آخرون: بل أصبح كل فريق قد انفتقت ألسنتهم بكلامهم ,انسوا السريانية فاستوحش بعضهم من بعض فافترقوا/ في البلاد. واستدل الفريقان أيضا بأبينا آدم عليه السلام حين نفخ فيه الروح، وجبريل الروح الأمين قاعد عند رأسه فلما دار الروح في أنفاسه عطس فقال له جبريل عليه السلام: قل الحمد لله يا آدم، أو يا أبا محمد. فقال آدم: الحمد لله. فقال له جبريل عليه السلام: يرحمك الله يا آدم أو يا أبا محمد، وهي الرحمة التي سبقت إليه حين قال الله تعالى: (سبقت رحمتي غضبي يا آدم) فتاب عليه حين عصى (¬1) . فتعلق الفريقان، أهل التوقيف وأهل المواضعة في هذه النكته. فقال أهل التوقيف : ألا ترى إلى جبريل عليه السلام حين لقنه أن يقول الحمد لله. وقالت الفرقة الأخرى: ومن أنبأه بمعنى (قال) ولم يتقدم له توقيف على معنى (قل) مواضعة. وفي الرؤيا عبرة أن الرائي يسمع كلاما لا يعرف من أي لغة كانت فينفهم له المعنى الذي يريده، ويبصر شخاصا لا يعرفه فينعرف له، وبلدا لم يدخله قط فيثبته وينطلق / لسانه بما يشاء فيفهم وينفهم. وقالوا: إن الأخرس إذا انفتق لسانه لا يهتدي لمعنى الجمل والفرس وإلى قولهما إلا بعد توقيف. وقول الآخرين: يهتدي بمواضعة إلى معنى الجمل والفرس بغيرهما.
والأصل كما قلنا أن الله تعالى قادر أن يخلق خلقا بالغا عاقلا، ويركب (¬2) فيه معرفة أي لغة أرادها فيتكلم بها عند فتق اللسان بما أراد من
البيان، وامتنعوا من قلب الحقائق.
पृष्ठ 45