الحين بعد الحين، والفينة بعد الفينة نسمع بأن جمعيات المباحث النفسية قد وقفت إلى ما يشفي العلة، وينقع الغلة، في مسألة عالم الأرواح، وأنت تأنس اهتماما عظيما من طبقات كل شعب وطوائف كل جيل من الناس على اختلاف نزعاتهم، وتباين محلهم واستعدادهم، ولعل الباعث لهم في هذه السبيل وفي الاهتمام «بالمذهب الروحاني» ومعالجة مسائله نظريا أو عمليا، لعل السبب في ذلك أهمية الموضوع واتصاله بالدين، وسلطانه سلطانه ونفوذه نفوذه، وبالعقيدة وهي الرابط القوي في الإنسان بمستقبل المخلوق وصيرورته، هنالك إذا اطمأن المخلوق على هذه المسائل، وحل ألغازها حلا مقبولا معقولا توفرت له السعادة، ودخل جنة الخلد آمنا مطمئنا.
ولقد يتعصب المتعصبون، ويجحد الجاحدون، ويتبرم المتبرمون، ولكن هذا كله ليس يغني عن الحق فتيلا، حسب المذهب الروحاني فخرا أن يندمج في عداد رجاله الباحثين وأفذاذه المؤمنين أقطاب المادية وعمد الدهرية، وفحول العلم الحديث، أمثال: سير وليم كروكس، وسير أوليفر لودج رئيس المجمع العلمي البريطاني، وإديسون شيخ المخترعين، ووليم جيمس، وكونان دويل، وغيرهم.
ولقد بلغ من اهتمام الغربيين بهذا الموضوع أن أنشئوا جمعيات في كل عاصمة من عواصم أوروبا وأمريكا، أطلقوا على كل منها اسم «جمعية المباحث النفسية» ينحصر عملها في البحث العلمي العملي في ظواهر الأرواح وما بعد الطبيعة، وغير ذلك مما لا تقوى على هضمه معد الماديين، مثل العقل الباطن، السبرتزم والأكتوبلازم، التلنتي والتخاطب العقلي، قراءة الأفكار، التنويم والاستهواء، الشفاء بالإيمان، الإنباء بالمستقبل، تعدد الشخصية، المتكلم من بطنه، السحر والشعبذة، صدق الرؤيا، مناجاة الأرواح ... إلخ.
ولجمعيات المباحث النفسية أنباء مدهشة في هذا الموضوع تدون أكثرها في تقارير سنوية قل أن نسمع بها، وهي غاية في الأهمية لاتصالها بالحياة الباقية ومستقبل المخلوقات، ولقد وفق إديسون إلى اختراع آلة تثبت بالحس وجود العالم الروحاني، بيد أنه منع من استعمالها حتى لا يختل نظام الكون بمعرفة كل إنسان ما يضمره له المستقبل.
والغريب أني قرأت أخيرا رأيين متفقين في مسألة الأرواح؛ أما الأول فلإديسون، وأما الآخر فللدكتور صروف، وكلاهما - بعد كل ما رأياه وعالجاه - لا يجزمان بنفي أو إثبات، على أني وإن كنت أخالف دكتور صروف في بعض ما جاء بكتابه الجديد «رسائل الأرواح» إلا أني أرى أنه ألم بالمسائل التي ذكرتها وغيرها من المذهب الروحاني إلماما تاما كاملا نافعا مفيدا، وإن أعجب لشيء فعجبي لاتفاق رأي إديسون مع دكتور صروف في هذا الموضوع، وقد عالجاه عمليا، وشاهدا فيه ما شاهدا.
إلا أن أمد المدرسة المادية قد صار إلى زوال، ونجمها إلى أفول، إلا أن المذهب الروحاني هو مدرسة المستقبل.
1
المذهب الروحاني (2)
مدرسة القرن العشرين
مجلة المقتطف مدرسة جامعة يتتلمذ عليها كثيرون من المفكرين، وينتفع بها أكثر قراء العربية انتفاع أهل الغرب بما لديهم من أمهات المجلات، ولعل هذا ما حداني أن أتمحل لموضوع المذهب الروحاني بعد أن قرأت ما نشرته مجلة المقتطف من المساجلة التي دارت بين السر أرثر كونن دويل والمستر مكايب، ومما أسلفت نشره في ما مضى من السنين وفي العهد الأخير للسر أولفر لودج وغيره من فحول العلم وعمد الفلسفة في هذا العصر، ومما عن لها هي أن تعقب به على كل هذه الآراء المتضاربة المختلفة الأشكال والألوان.
अज्ञात पृष्ठ