الله عظيم، وهو صانع حكيم، فإذا كنا لا ندرك عظمته المتجلية في مخلوقاته، وإذا كانت حكمته فوق عقولنا الهيولانية، فليس هذا يمنع من وجود هذه الحكمة، تريد أنت أيها المخلوق الضعيف أن تهيمن على كل شيء، وتتعرف حكمة كل شيء، ولكنك لو أدركت حكمة خالقك في كل شيء لما كان بينك وبين الخلاق من فارق. الله أكبر، فإذا كان المكتب الذي تجلس خلفه يدرك حكمة صانعه النجار، وهندسته، وما في عقل هذا الصانع من صور وأشكال، إذن لكان هذا المكتب والنجار سواسية، فنسبة المكتب للنجار كنسبتك للخلاق جلت قدرته (وهذه نسبة تقريبية؛ قياس مع الفارق).
قالوا: إن اللذة والألم خطان طويلان، ولم يعرف للآن الحد الفاصل بينهما، فاللذة نسبية والألم نسبي، والسعادة من بعد ذلك نسبية أيضا، وأنت ترى الغني وعلى مائدته ألوان الطعام والشراب، وترى داره عامرة بالأموال فتظنه سعيدا، على أنه قد يكون أتعس من متسول يتسكع في الطريق، تعلوه أثواب رثة خلقة، يملأ بطنه بفتات العيش وفضلات الآكلين، ثم يفترش الغبراء، ويلتحف الهواء والزرقاء، هادئ البال مطمئن الخاطر، غير مشغول بهبوط أسعار القطن، ولا هو مهموم من كدر الحياة، ومتاعب الدنيا.
تعب كلها الحياة فما أع
جب إلا من راغب في ازدياد
ولقد بحث الحكماء والفهماء والعلماء عن السعادة فلم يهتدوا إليها، وليست هي في المال ولا في الجاه، ولا في شأن من شئون هذه الحياة، أو عرض من أعراض هذه الدنيا، وإنما هي في الطمأنينة، هي مع النفس المطمئنة.
على أن عقولنا - على قدر ما تستطيع أن تدرك - لها أن تعلل الشقاء في هذا العالم - وهو نسبي أيضا - بعلل كثيرة، منها: أنهم قالوا إن المصائب في هذا العالم ترقي النفس وتصهرها، وإنه لا ارتقاء من غير ألم أو كدر ونكد.
ومنها باب تناسخ الأرواح، وقد لا يقره البعض، على أنه يفسر هذا الموضوع تفسيرا لا ريبة معه، ولا شك فيه، ذلك بأن النفس إنما تتدرج من مرتبة إلى مرتبة أرقى من الأولى، كما يتدرج الطفل من آلي الفصول الدراسية إلى عاليها، فإذا لم ينجح في امتحان عاد الكرة، وبقي في تعذيب وكروب، حتى يبلغ شأوه، ولمسألة التناسخ أقاويل كثيرة لا يتسع لها المقام، ومن له أذنان للسمع فليسمع!
ألا إن هذه النغمة النكراء لبدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اعتراضات وتأملات
لكل إنسان وجهة هو موليها، لا يحيد عنها يمنة ولا يسرة، وما نحن بقادرين على أن نغير أو نبدل من مبادئ الناس، ومعتقدات خلق الله، ولو طالت الأيام، وحفت الأقلام، بيد أنا مع ذلك نحاول أن نخفف ونلطف من وقع المصيبة التي قذف بها الزمن في وجوهنا، وفي هذا العصر، عصر الضلالة والبدع، عصر التبجح والاستهتار بالدين الحنيف، فلا كنا ولا كان وجودنا، ألا بئس ما يقرءون.
अज्ञात पृष्ठ