قال: ويؤيد هذا بأجلى بيان حادث الذهول ... مثلا عندما نكون مستغرقين داخل حجرتنا في أي عمل من الأعمال، إنا نغفل عن تكتكة الساعة، بل عن طرق ناقوسها أيضا، مع أن اهتزازات الصوت أثرت في عصب سمعنا، وبلغت حتى الدماغ دون أن ننتبه لها، وما ذلك إلا لأن نفسنا المشتغلة بأفكار أخرى لم تنتبه، ولا أثرت فيها اهتزازات القلالي الدماغية، فلم يحصل الإدراك السمعي، والحاصل أن المادة ذاتها عديمة الاختيار لا تولد شيئا من نفسها، والمادة الدماغية آلة لتبيان إحساسات النفس العاقلة وأفكارها، فلا تعقل لما تصدر بواسطتها من التعبيرات الفكرية، كما أن آلة الساعة مثلا لا تدرك حركة الأوقات التي تشير إليها، ولا قراطيس الكتاب الأفكار المسطرة عليها، ومن زعم أن الدماغ يدرك الفكر كمن يزعم أن الساعة تدرك حركة الوقت، والقرطاس معاني الكتابة.
وما لنا نعنت أنفسنا ونكد عقولنا في نقد المذهب المادي، ونقض ما قام عليه من أسس، ولدينا من آراء فحول المادية، ومشهوري الطبيعيين ما يغنينا عن ذلك، ويبين للملأ أن قدرة الخالق ظاهرة في كل الموجودات، وينطق بعظمتها وحكمتها حتى أصحاب الجحود ممن عاشوا في جلودهم، وعبروا عامة عمرهم بين معامل الكيمياء لا يخنعون إلا للظاهر المحسوس، ولا هم يؤمنون إلا بما هو طبيعي ذو أثر بين.
وإنا موردون طائفة من هذه الآراء يستعرضها القارئ الكريم؛ ليجري من بعد ذلك حكمه غير خاضع لمؤثر، أو متنكب سبيل الصواب، وهاك هي:
الأستاذ ميلن:
في جامعة السربون يقول إن الحيوان المسمى إكسيلوكوب من المحيرات للفكر، قال: إن هذا الحيوان يرى طائرا في الربيع، ويعيش منفردا، ويموت بعد أن يبيض مباشرة، فلا يرى صغاره، ويعيش في مكان محكم، حتى إذا حان وقت البيض عمدت الأنثى إلى قطعة من الخشب فحفرت فيها سردابا طويلا، ثم عمرته بذخيرة تكفي صغارها سنة كاملة، وهي طلع الأزهار، وبعض الأوراق السكرية، وتأتي بنشارة الخشب تجعلها سقفا على تلك البيضة، ثم تجيء بذخيرة جديدة تضعها فوق ذلك السقف، ثم تضع بيضة أخرى، وهكذا فتبني بيتها مكونا من جملة أدوار، فإذا تم لها ذلك، ودعته وهلكت، قال الأستاذ: إن الإنسان ليدهش إذ يرى هذه العجائب، ويرى من الناس من لا يزال يقول: إنها كلها نتيجة المصادفة.
باستور:
صاحب التجاريب في الاختمار، سأله سائل: كيف يا دكتور نستطيع أن نوفق بين استكشافاتك العلمية والتعاليم الدينية؟ فأجابه قائلا: اعلم بأن دروسي بدلا من أن تزعزع اعتقادي جعلتني في إيماني كالفلاح البريطاني (وهو مثل فرنسي يضرب لشدة الاستمساك).
هارفي:
مستكشف دوران الدم في البدن قال ما شرحت حيوانا إلا رأيت فيه شيئا جديدا يدل على العناية الإلهية.
الأستاذ جولييه:
अज्ञात पृष्ठ