وقضى علي أياما يعد الجيش ويجند الجند، ومحمد والحسن في مقدمة العاملين معه. ولكنه لم يندب محمدا للقتال فصغرت نفسه في عينه لعلمه أنه أولى بالمسير إلى الحرب، وكان يذكر أسماء فيود لو يبقى ليعلم ما يئول إليه أمرها، ثم ترجع إليه حماسته ليقوم على خدمة علي ويحمل معه عبء القتال.
ذهب محمد بن أبي بكر إلى علي فرآه وحده في غرفته، ورأى في يده رقعة يقرؤها ويعيد تلاوتها وقد أخذ القلق منه مأخذا عظيما، فتهيب الدخول عليه وظل واقفا عند الباب مترددا. فلمحه علي فناداه فدخل وحيا، فرد علي التحية وهو مقطب الوجه فلم يجرؤ محمد أن يبدأه بالكلام وتربص عساه أن يسمع منه خبرا جديدا. وظل علي يذرع الحجرة حتى وقف إلى نافذة من نوافذها وأجال نظره إلى الأفق وهو غارق في بحار التفكير، ثم تحول إلى محمد بغتة وقال: «أين الحسن؟»
قال: «لعله في المسجد، فهل من أمر أقوم به؟»
قال: «سأطلعك على ما حدث عما قليل. وبماذا جئت أنت، إني أرى في وجهك خبرا؟»
قال: «إنما جئت ألتمس من أبي الحسن أن يساويني بأهل الثقة من رجاله.»
قال: «وماذا تعني؟»
قال: «أعني أنك استنفرت الناس وأمرت من أمرت للجهاد، وتركتني وأنا أولى منهم به.»
فتبسم الإمام علي تبسما يشوبه قلق وقال: «بورك فيك يا ابن أول الخلفاء! لأنت عندي بمنزلة ولدي، ولكنني أمرت سميك محمدا ابن الحنفية في هذه الحملة واستبقيتك أنت لأخرى.»
قال: «إني طوع بنانك، وأراني مكلفا بعبء هذه الحرب قبل سواي.»
قال: «لا تستعجل الأمر يا بني، فلن تعدم طريقا تسير فيه إلى حرب أخرى فقد كثرت إليها الطرق.»
अज्ञात पृष्ठ