इमाम अली की प्रतिभा
عبقرية الإمام علي
शैलियों
واختلفوا في سنه حين إسلامه من السابعة إلى السادسة عشرة، ولعله أسلم في نحو العاشرة؛ لأنه كان يناهزها عند إعلان الدعوة المحمدية، وكان النبي - عليه السلام - يتعبد في بيته عبادة الإسلام قبل الدعوة بفترة غير قصيرة، وليس ما يمنع عليا أن يألف تلك العبادة في طفولته الباكرة، فإذا هو نفر منها، وأعرض عنها لغير سبب في تلك الطفولة الباكرة، فالعجيب أنه يعود إلى ألفتها والرضا بها بعد أن بلغ السن التي يعرف فيها معنى الغضب لعبادة الآباء والأجداد.
ولولا ألفة علي لابن عمه وكافله لما قربته القرابة وحدها من الدين الذي دعى إليه، فقد أصر كثير من أقرباء النبي على الشرك زمنا طويلا، منهم عقيل أخوه وأحب إخوته إلى أبيه، فحارب المسلمين في بدر ولم يسلم وقد وقع في أسر النبي وصحبه ... بل افتداه عمه العباس وخرج من الأسر وهو على دينه، ثم أسلم بعد صلح الحديبية مع طائفة من الغرباء والأقربين ... •••
على أن الألفة بين ابني العم الكريمين قد أوشكت أن تكون عائقا لإسلام علي في طفولته الباكرة ... لأن النبي - عليه السلام - أبى أن ينتزع الطفل من دين أبيه وأبوه لا يعلم، وأشفق أن يكون بره بعمه وبابن عمه سبيلا إلى التفرقة بين الأب وابنه وهو لا يدرك ما يفعل، ولم يشأ أن يعود الطفل الصغير أن يخفي سرا عن أبيه، كأنه يخدعه بإخفائه ولو في سبيل الهداية والخير، فظل هذا الحرج الكريم عائقا عسيرا أعسر ما فيه أنه عائق اختيار يهون معه الاضطرار، أو عائق حيرة تقل فيها حيلة الكريم ... حتى شاع أمر الدعوة المحمدية وعلم بها أبو طالب ونصر ابن أخيه، وأمر عليا بمتابعة ابن عمه ونصره، فأقبل الغلام البر بأبيه وبكافله إقبالا لا تلجلج فيه على الدين الجديد.
وملأ الدين الجديد قلبا لم ينازعه فيه منازع من عقيدة سابقة، ولم يخالطه شوب يكدر صفاءه، ويرجع به إلى عقابيله ... فبحق ما يقال: إن عليا كان المسلم الخالص على سجيته المثلى، وإن الدين الجديد لم يعرف قط أصدق إسلاما منه ولا أعمق نفاذا فيه.
كان المسلم حق المسلم في عبادته، وفي علمه وعمله، وفي قلبه وعقله؛ حتى ليصح أن يقال: إنه طبع على الإسلام فلم تزده المعرفة إلا ما يزيده التعليم على الطباع ...
كان عابدا يشتهي العبادة كأنها رياضة تريحه، وليست أمرا مكتوبا عليه ... وكان يرى في كهولته وكأنما جبهته ثفنة بعير من إدمان السجود، وكان علي محجة في الإسلام لا يحيد عنها لبغية ولا لخشية، فكلما زينوا له الهوادة أبى «أن يداهن في دينه ويعطي الدنية في أمره»، وآثر الخير كما يراه على الخير كما يراه الناس ...
وكان دينه له ولعدوه، بل له ولعدو دينه، فما كان الحق عنده لمن يرضاه دون من يقلاه، ولكنه كان الحق لكل من استحقه وإن بهته وآذاه ... •••
وجد درعه عند رجل نصراني فأقبل به إلى شريح - قاضيه - يخاصمه مخاصمة رجل من عامة رعاياه، وقال: إنها درعي ولم أبع ولم أهب، فسأل شريح النصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ ... قال النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب! ... فالتفح شريح إلى علي يسأله: يا أمير المؤمنين هل من بينة؟ ... فضحك علي وقال: أصاب شريح، ما لي بينة! ... فقضى بالدرع للنصراني فأخذها ومشى و«أمير المؤمنين» ينظر إليه ... إلا أن النصراني لم يخط خطوات حتى عاد يقول: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام أنبياء ... أمير المؤمنين يدينني إلى قاضيه يقضي عليه! ... أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين ... اتبعت الجيش وأنت منطلق إلى صفين فخرجت من بعيرك الأورق. فقال: أما إذ أسلمت فهي لك، وشهد الناس بعد ذلك هذا الرجل وهو من أصدق الجند بلاء في قتال الخوارج يوم النهروان.
وأحسن الإسلام علما وفقها كما أحسنه عبادة وعملا، فكانت فتاواه مرجعا للخلفاء والصحابة في عهود أبي بكر وعمر وعثمان، وندرت مسألة من مسائل الشريعة لم يكن له رأي فيها يؤخذ به، أو تنهض له الحجة بين أفضل الآراء ...
إلا أن المزية التي امتاز بها علي بين فقهاء الإسلام في عصره أنه جعل الدين موضوعا من موضوعات التفكير والتأمل، ولم يقصره على العبادة وإجراء الأحكام، فإذا عرف في عصره أناس فقهوا في الدين؛ ليصححوا عباداته، ويستنبطوا منه أقضيته وأحكامه، فقد امتاز علي بالفقه الذي يراد به الفكر المحض والدراسة الخالصة، وأمعن فيه ليغوص في أعماقه على الحقيقة العلمية، أو الحقيقة الفلسفية كما نسميها في هذه الأيام. •••
अज्ञात पृष्ठ