85

ونهج عمر طريقه في الإسلام كما نهج طريقه إلى الإسلام، كلاهما طريق صراحة وقوة لا يطيق اللف والتنطع، ولا يحفل بغير الجد الذي لا عبث فيه، فلا وهن ولا رياء، ولا حذلقة ولا ادعاء، وما شئت بعد ذلك من إسلام صريح قويم فهو إسلام عمر بن الخطاب.

قال في بعض عظاته: «لا تنظروا إلى صيام أحد، ولا إلى صلاته، ولكن انظروا من إذا حدث صدق، وإذا ائتمن أدى، وإذا أشفى - أي هم بالمعصية - ورع.»

وقال في هذا المعنى: «لا يعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكن، من أدى الأمانة إلى من ائتمنه، وسلم الناس من يده ولسانه.»

وقال في عمل الدنيا والآخرة: «ليس خيركم من عمل للآخرة وترك الدنيا، أو عمل للدنيا وترك الآخرة، ولكن خيركم من أخذ من هذه ومن هذه، وإنما الحرج في الرغبة فيما تجاوز قدر الحاجة، وزاد على حد الكفاية.»

ولم يكن أبغض إليه ممن يتوانى ليقال إنه متوكل على الله، أو يتراءى بالضعف ليقال إنه ناسك، أو يفرط

34

في العبادة ليقال إنه زاهد في الدنيا.

فكان يقول: «إن المتوكل الذي يلقي حبة في الأرض ويتوكل على الله.» و«لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق، ويقول اللهم ارزقني. وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وأن الله تعالى يرزق الناس بعضهم من بعض.»

وكان يضرب من يتماوت ويستكين ليظهر التخشع في الدين، فنظر إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرة وقال: «لا تمت علينا ديننا أماتك الله.» وأشاروا له إلى رجل يصوم الدهر، فضربه وهو يقول له: «كل يا دهر! كل يا دهر!» ينهاه عن الصوم الذي يعوقه عن معاشه، ولا يوجبه عليه الدين.

وكان كلما رأى شابا منكسا رأسه صاح به: «ارفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب، فمن أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فإنما أظهر للناس نفاقا إلى نفاق.»

अज्ञात पृष्ठ