هذا هو عمر من وراء النقاب.
فما كان أحوجه - رضي الله عنه - إلى ذلك النقاب! وما أقل الغرابة في ذلك النقاب من الشدة والهيبة، حين ينفذ الناظر إلى ما وراءه، فيرى مكان الحاجة إليه!
وقد يرحم الرجل أهل الرحم والقرابة، ويجفو غيرهم من الناس، ولكن الرحمة الأصيلة في الطباع تسوي في المودة ولا تفرق، وتخلق هي سبب الرحمة، ولا تنتظر حتى تفرضها عليها القرابة بأسبابها، فكان عمر - كما روى «الحسن» - يذكر الصديق من أصدقائه بالليل فيقول: يا طولها من ليلة! فإذا صلى الغداة غدا إليه، فإذا لقيه التزمه أو اعتنقه.
وكان بكاء طفل يزعجه ويقطع عليه صلاته وينغص عليه ليله.
قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى، فاقترح على عبد الرحمن بن عوف أن يذهبا ليحرساهم من السرق، ثم باتا يحرسان ويصليان، فسمع بكاء صبي، فتوجه نحوه وقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيك. ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه، فرجع إلى أمه كرة أخرى، ثم سمع بكاءه آخر الليل فقال لأمه: ويحك! إني لأراك أم سوء ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة؟ قالت: يا عبد الله قد أبرمتني منذ الليلة، إني أربعه عن الفطام.
16
فسألها: ولم؟ فقالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطيم! فسألها: وكم له؟ فلما علم أنها فطمته دون سن الفطام أمر مناديا فنادى: ألا تعجلوا صبيانكم عن الرضاع، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام.
وقصته مع الصبية الجياع مشهورة، ولكنها تعاد لأنها أحق قصة بأن تعاد.
قال أسلم: «خرجنا مع عمر - رضي الله عنه - إلى حرة واقم، حتى إذا كنا بصرار
17
अज्ञात पृष्ठ