قال سعيد: «أظن خطبتك ستكون جامعة واعية، وأرجو أن تستفيد منها، فإذا استفدت عاد ذلك بالنفع على أصحابك، ولكن لا أدري إذا كنت تعدني من الأصحاب، أم لا؟»
فخجل الفقيه ابن عبد البر من هذا المديح، وقال: «إنك من أعز الأصدقاء يا سعيد. وإذا وفقني الله وظفرت بالمنصب الذي أتوقعه بعد هذا الاحتفال، رأيت مني ما يرضيك، فادع لي.»
قال سعيد: «إني أدعو لك بكل خير، وأراك أهلا لأكبر المناصب العلمية، فمن أولى منك برئاسة القضاة أو الخطباء؟!»
الفصل السادس
عتاب
فتظاهر الفقيه ابن عبد البر بالتواضع، وأسرع فوضع أوراقه في جيبه وخرج، فشيعه سعيد إلى الباب، ثم أمر خادمه جوهرا أن يغلق الباب وراءه، فلما سمع إغلاق الباب تنهد طويلا وعاد إلى الجارية، فإذا هي لا تزال واقفة في انتظاره، فلما استقبلها نظرت إليه بعينين براقتين تكادان تنطقان وقالت: «هل تأذن لي بالانصراف؟»
فأشار إليها سعيد أن تجلس، وتلفت حوله حتى يتحقق من خلو المكان من الرقباء، فجلست عابدة على وسادة في غرفة ليس فيها غير بساط ومناضد صغيرة لوضع الأقلام، أو الكتب، أو أدوات الكتابة، وسراج قائم على مسرجة يخفق لهبه فيتطاير سناجه في تلك الغرفة همسا، كما تتصاعد زفرات عابدة ولا يشعر بها سعيد أو لعله يشعر ويتجاهل.
فلما جلست عابدة جلس سعيد أمامها وكانت تنظر إليه، فلما وقع بصرها على بصره بادرت إلى الإطراق لأنها لا تطيق التفرس في عينيه لحظة، فإذا فعلت أحست كأن سهاما تخترق بصرها إلى أحشائها، أو أن تيارا كهربائيا يسري في جسمها، فتنتفض له جوارحها، ولم يكن سعيد يجهل ذلك، ولكن مطلبه غير مطلبها، فلما أطرقت عابدة، قال لها: «ما بالك لا تنظرين إلي يا عابدة؟»
قالت عابدة: «ألم تعلم أني لا أستطيع التطلع في عينيك؟!»
قال سعيد: «كنت أظن أنك تفعلين ذلك حياء!»
अज्ञात पृष्ठ