فقطع سعيد كلامه قائلا: «لعلك تعني كتاب الحاوي لمحمد بن زكريا الرازي؟»
فبدا الاستغراب على وجه الطبيب لسرعة خاطر سعيد وقال: «إياه أعني.»
قال سعيد: «إنه كتاب نفيس، وهو أحسن كتب الرازي وأعظمها في هذه الصناعة؛ لأنه جمع فيه كل ما وجده متفرقا في ذكر الأمراض ومداواتها من سائر الكتب الطبية للمتقدمين، ومن أتى بعدهم إلى زمانه، ونسب كل شيء نقله إلى قائله.»
قال الطبيب: «لقد سمعت إطراء كثيرا في الكتاب، فهل من سبيل إليه؟»
قال سعيد: «لا أعرف منه نسخا في قرطبة، ولكنني أبعث من ينسخه لك في بغداد، وقد درسته وحفظت أهم مواده.» قال ذلك وهو يمشي والطبيب بجانبه وياسر إلى الجانب الآخر، والحرس ينظرون إلى ذلك الضيف ويعجبون بما لاقاه من الحفاوة لدى أمير المؤمنين.
قال ابن تاج: «إذا تمكنت من نسخ هذا الكتاب لي، عددت ذلك فضلا كبيرا منك.»
قال سعيد: «سأفعل إن شاء الله.» والتفت إلى ياسر وقال: «أخبرني أمير المؤمنين أنه سيكلفك بإحضار عابدة الليلة إلى بيت المنام ليسمع غنائها، وأنا ذاهب الآن لتعليمها بعض ما تقوله في حضرته.»
فعلم الطبيب أنه آن له أن يستأذن في الانصراف وهو يثني على سعيد، وسار سعيد وياسر إلى جانبه وهو يقول له همسا: «كيف وجدت الرجل؟» يعني الناصر.
قال: «إنه كما ينبغي، ولكل أجل كتاب.»
ثم سمع ياسر صوتا يستوقفه، فنظر فإذا بأحد الصقالبة يقول له: «إن أمير المؤمنين يدعوك إليه.» فقال: «إني ذاهب الساعة.» ثم التفت إلى سعيد وقال: «إني منصرف إلى أمير المؤمنين، واذهب أنت مع هذا الصقلبي وهو يدلك على مكان عابدة.»
अज्ञात पृष्ठ