अब्दुल नासिर और मिस्र का वामपंथ
عبد الناصر واليسار المصري
शैलियों
وإنما حقيقة الأمر أن المناقشات كانت تدور دون التزام جدي بالموضوعات التي في جدول الأعمال، يفتح الكلام في موضوع معين، ويطلب الكلمة واحد تلو آخر، فيقول ما يعن له أن يقول، لا يعنيه إن كان في صلب ما هو مطلوب مناقشته، ويترك له الحبل على الغارب، والرئيس يتمتع بصبر لا ينفد يتابع ما يقال الساعة تلو الأخرى ولا يمل، فإذا ما بلغ بالمجتمعين الإعياء، تكل العيون، وتهن الأوصال، وتتبلد أسباب التفكير فتخور العزائم، يتدخل آخر الأمر الرئيس فيعلن، دون محاولة إجراء تصويت، أن المناقشات توصلت بنا إلى القرارات التالية يتلوها في أوراق أمامه، هي معدة من قبل إلا من بعض تعديلات طفيفة هنا أو هناك.
وكان هذا يذكرني بما كان يتباهى به من أسلوب اتبعه في مؤتمر باندونج، حين عرضوا لنزاعات شكلية حول صياغة القرارات، فيقول: «كنت انتخبت رئيسا للجلسة، فلما احتدمت المناقشات ورأيت أن لا تلاقي، قلت لهم نحن في رمضان وأنا صائم، فلا يعنيني رفع الجلسة لتناول الغداء، لن أتحرك من مكاني حتى تصلوا إلى اتفاق ...»
ثم يضيف ضاحكا: «تعبوا، جاعوا، لقوا مفيش مفر، الاعتراضات انهارت، اتفقوا آخر الأمر.»
نفس الأسلوب أو يكاد، نجح في أن يصل إلى هدفه وهو جديد على المجتمع الدولي بين فطاحل مثل نهرو وشوان لاي وأونو ... فكيف به وهو الحاكم غير منازع، يطل من فوق المنصة على الرقاب.
فإذا جاء الدكتور فؤاد زكريا وقال إنه لم ينجح اليسار في اجتذاب عبد الناصر، وإنما نجح هو في اجتذاب عناصر من اليسار إلى صفه، فهو ما يتمشى تماما مع ما أعرفه عن شخصية عبد الناصر، أما غير ذلك فإن طبيعة شخصيته لا تهضمه ولا تقبل به تحت أي ظرف كان.
ولكن بقي الاستغلال
إني أعتقد أن أي دراسة لمواقف عبد الناصر، لا يمكن أن ترقى إلى الموضوعية إلا إذا اعتمدت على تحليل دقيق لجوانب شخصيته الفذة، جوانب غنية بمميزات قل أن يكون لها نظير، وأخرى لا تقل أثرا عن تلك أو ضخامة هي النواحي السلبية في تلك الشخصية، لو أننا تجاهلناها فكأننا نتكلم عن معبود «كل في واحد» جل أن يخطئ.
وربما إن كانت دراسة الدكتور فؤاد زكريا، لو أتبعت بغيرها فيتناول عدد من الكتاب مجالات أخرى من جمال عبد الناصر هي الخطوة على الطريق الصحيح، فإنه لن يتأتى لنا تقييم شخصيته أو أي شخصية تاريخية أخرى إلا من خلال دراسات متعددة، جامعة لمختلف نواحي نشاطه والمجالات التي أثر فيها وتأثر بها.
أما أن يقول الأستاذ نجيب محفوظ إننا ننقد جمال عبد الناصر؛ لأنه خطا بنا خطوة إلى الأمام وكنا نتوقع أن يخطو ثلاثا؛ فإنما تهرب من مواجهة الواقع، أو ربما تحرز عفيف، فإن نجيب محفوظ رجل سمح رقيق، إن جمال عبد الناصر قفز بنا قفزة جبارة إلى الأمام، إلا أنه سرد ذلك منجذبا إلى مسارب سنحت له بأعلام هي من صنع خياله، منقادا إلى حافة ذلك الجرف الذي هوى بنا إلى حضيض يوم 5 يونيو 1967م، فتتمزق نفوسنا من داخل وتكاد أن تغيب معالم أو مكاسب تلك القفزة الأولى. أين هي؟ وأين أقدامنا منها؟ فكأنها مجرد ذكرى!
ثم ما هي مكاسب تلك الخطوة الأولى؟ القضاء على الملكية؟ أي نعم! طرد قوات الاحتلال؟ لا شك في هذا، ولكن أين مكاسبنا الاجتماعية؟ هل قضينا على الاستغلال؟ كلا إنما استبدلنا بالإقطاع والرأسمالية طبقات أخرى طفيلية، هي أشد استغلالا في بعض الأحيان! «ارفع رأسك يا أخي ...» من ذا الذي كان يمكنه أن يرفع رأسه فيقول ما يريد أن يقول؟
अज्ञात पृष्ठ