अब्दुल नासिर और मिस्र का वामपंथ
عبد الناصر واليسار المصري
शैलियों
والأمر المؤكد أن موقف اليسار، في الوقت الراهن، يمثل رد فعل على الاتجاهات اليمينية التي انتعشت بعد موت عبد الناصر، والتي تصورت أنها تستطيع أن ترث التركة، وتعيد عقارب الساعة إلى الوراء. فاليسار، بدفاعه المستميت عن الناصرية، إنما يهدف إلى قطع الطريق على اليمين في اتخاذه هذا الموقف؛ إذ إن هناك خطرا حقيقيا من المد اليميني الزاحف ومن الوسائل الفعالة لإيقاف هذا المد التمسك بما أنجزته التجربة الناصرية.
وأنا أعتقد أن هذا الموقف اليساري، الذي يبدو سليما لأول وهلة، خطأ من أساسه. وليس مرد هذا الخطأ هو أنني مقتنع، بأي معنى من المعاني، بدعاوى اليمين، أو أنني مؤيد لمطالبهم، بل إنني لم أكتب هذه السطور - كما سيرى القارئ بعد قليل - إلا لكي أجرد اليمين من أسلحة يعطيها إياهم اليسار دون أن يشعر، وذلك حين يتخذ موقف الدفاع المطلق من التجربة الناصرية، وحين يربط مصير اليسار بنتيجة تقييمنا لهذه التجربة.
إن اليمين غول بشع يريد أن ينقض على هذا الشعب؛ لكي ينهش لحمه من جديد، ولكن اليسار الذي يتصور نفسه حارسا للشعب، وهو حارس غافل، يساعد اللص المعتدي دون أن يدري، ويقدم إليه - بقصر نظره - ما لم يكن يحلم به من خدمات.
ولذلك أود أن أكون في هذا الصدد واضحا وضوحا تاما؛ فأنا أعد دعوة اليمين الرجعي دعوة عدوانية ينبغي التصدي لها بكل قوة، وأنا أرفض بشدة أية محاولة من جانب اليمين لاستغلال ما أكتب من أجل تأييد قضيته التي أقف فيها ضده دون أي لبس أو غموض، ومن المستحيل أن أقبل استخدام ما أكتب لصالح مدخني السيجار من أصحاب المصانع السابقين، أو لصالح أصدقاء آل صيدناوي وأفرينو. ولو حدث أن استخدم أحد ما أكتب على هذا النحو المشين، فسيكون الخطأ في ذلك مرة أخرى هو خطأ اليسار ذاته، كما سأبين الآن.
ذلك لأن اليسار، بتجاهله لسلبيات التجربة الناصرية وإغماضه عيونه عن نقاط ضعفها التي ظهرت نتائجها أمام الشعب واضحة للعيان، في هزيمة 1967م بصورة سريعة صارخة وفي المصاعب الاقتصادية الرهيبة بصورة تراكمية بطيئة، قد ترك لليمين وحده شرف التنديد بهذه السلبيات، وإعلان نفسه حاميا للقيم التي أهدرتها تلك التجربة.
فاليمينيون، الذين كانوا يستهترون بالحريات والقوانين حين كان حكم البلاد في أيديهم، أصبحوا هم أصحاب أعلى الأصوات في المناداة بالحريات وسيادة القانون.
ولم يكن في وسعهم أن يجرءوا على هذه المغالطة الصفيقة لو لم يكن اليسار قد ترك لهم الميدان ليصولوا فيه ويجولوا، على حين ظل هو متمسكا بالدفاع عن تجربة يتمسك بأنها كانت اشتراكية تقدمية، بينما يثبت الواقع اليومي عكس ذلك.
وحين أتحدث عن الواقع اليومي، فإني لا أعني واقع رجل الأعمال الذي انتزعت منه مصالح أو سلب منه نفوذ، بل أعني الواقع اليومي للإنسان البسيط، صاحب المصلحة الحقيقية في الاشتراكية. هذا الإنسان البسيط هو الذي أحس بعيوب التجربة، وهو الذي أعلن سخطه عليها بشتى الصور المباشرة وغير المباشرة، وهو الذي لا بد أن ينقل هذا السخط إلى كل من يتمسك بالدفاع عنها بلا تمييز، على حين أن من ينبهه إلى سلبياتها يكتسب رضاءه.
ولقد كان سخط الإنسان المصري على التجربة الاشتراكية واضحا جليا - على سبيل المثال - في استقبال نيكسون، كان ذلك استفتاء غير رسمي على التجربة الاشتراكية المزعومة، ولم يكن الذي أعلن رفضه للتجربة هم الذين أضيروا منها فحسب، بل هم أولئك الذين لا يظهر أي مذهب اشتراكي إلا من أجلهم.
وموضع الخطر هنا هو أن الإنسان العادي حين يجد التجربة قد أخفقت، لا يستطيع أن يميز بسهولة بين المبدأ والتطبيق. وهكذا أصبحت طاقة السخط لديه منصبة على مبدأ الاشتراكية ذاته، مع أن ما يشكو منه ليس إلا تطبيقا خاطئا لمبدأ لو طبق بالطريقة السليمة لكان هو ذاته أول المستفيدين منه.
अज्ञात पृष्ठ