فأدرك الرشيد بفراسته أن إسماعيل إنما جاء خاطبا، فتجاهل وقال: «إن قرابة الرسول أعظم أسباب الشرف له ولنا.»
فقال: «نعم، هو كذلك، ولكنه يحب التقرب من عمه أمير المؤمنين وخليفة سيد المرسلين.»
فلم يبق عند الرشيد شك في أنه جاء يخطب ابنته لجعفر، فابتدره قائلا: «كل ما تقترحه يا عماه ينفذ إلا خطبة العالية.»
فاستغرب إسماعيل تلك المفاجأة وقال: «وأنا لم آت لأطلب سواها، فإذا كان ذلك ممتنعا، فالأمر لأمير المؤمنين، ونحن مطيعون لإرادته ندعو له بطول البقاء، على أن ما خولتنيه من الدالة يشجعني على سؤال أرجو ألا يثقل على مولاي.»
فقال: «قل؛ فإن لك رعاية وحقا.»
قال: «لعل أمير المؤمنين لا يرى ابن أخيه كفؤا لمولاتنا العالية! فمن يا ترى أكثر كفاءة لها من ابن عمها أخي أبيها، حفيد الملك النبيل والشيخ الجليل - يقصد المنصور؟»
فقال الرشيد وهو يعبث بقضيب الخلافة بين أنامله: «أما الكفاءة فلا ينازعه أحد فيها، كما ذكرت، ولكن سبق السيف العزل؛ فإن العالية مخطوبة.»
فاستبعد إسماعيل أن تخطب بنت الخليفة ولا يعلم هو بخطبتها، وظن أن الرشيد يقول ذلك ليبرر رفضه، فقال: «العالية مخطوبة؟ إني لا أعلم بذلك، ولو علمت به ما أقدمت على طلبها، ولم أكن أظن أن أحدا يمكن أن يظفر بذلك غير ابن عمها!»
فتحرك الرشيد في مجلسه ونظر إلى البساط وقال وهو يحاول إخفاء ما كاد يظهر على وجهه من الانفعال: «نعم، لكن وزيرنا جعفرا طلبها لإبراهيم بن عبد الملك بن صالح؛ ابن عمنا، فلم نرد طلبه.»
فلما سمع إسماعيل قوله أطرق وتشاغل ببلع ريقه وقد عظم عليه فشله، ولكن غضبه من
अज्ञात पृष्ठ