فانتبه القيم وقال: «بلى يا مولاي هو بعينه - قبحه الله - إنه ذهب بعقلي.» فقال الأمين: «دعه وامض إلى الجواري.»
فعاد وتشاغل الحضور بالضحك ريثما يعود الرجل بالمغنية قرنفلة وبيدها العود تضرب عليه ضربا رخيما، وقد تكحلت وتبرجت وأرخت شعرها على كتفيها. ودخلت الجاريتان الأخريان في أثرها وبيد كل منهما عود، فوقفت قرنفلة بين يدي الأمين وهي تضرب على عودها نغما لم يسمع مثله من قبل، فأومأ إليها الأمين فجلست وأخذت تغني هذين البيتين:
لم تلده أمة تع
رف في السوق اتجارا
لا ولا حد ولا خا
ن ولا في الخزي جارا
وكان الفضل في أثناء ذلك يراقب حركات الأمين، فإذا هو يرفس الأرض برجليه طربا ويصيح: «صدقت، صدقت. قبحك الله.»
ولم يستغرب الفضل ذلك، بل كان يتوقعه منه؛ لأنه هو الذي أوعز إلى أبي العتاهية أن يعلمها هذين البيتين لإثارة حقد الأمين على أخيه المأمون؛ لما فيهما من التعريض به، إشارة إلى أن الرشيد حده في جارية وجده معها.
3
الفصل الثامن والعشرون
अज्ञात पृष्ठ