فابتسم الرشيد وقال: «هل هو هناك؟»
فقال جعفر: «نعم يا أمير المؤمنين.»
قال الرشيد: «بحياتي؟»
ففطن جعفر إلى أن سؤاله لم يكن سؤالا عاديا، فبغت وظهرت البغتة على وجهه وقال : «لا وحياتك، بل أطلقت سراحه ؛ لأني لم أجد مكروها عنده ولا خوفا منه. وزد على ذلك أني أخذت عليه المواثيق والعهود حتى لا يعود إلى شيء مما كان فيه.»
فضحك الرشيد وقدم لجعفر خوخة كانت في يده وهو يقول: «بورك فيك؛ فقد فعلت ما كنت أرجوه منك، ولم تتجاوز ما في نفسي.»
فاستأنس جعفر بتلك الملاطفة، وخاصة بعد أن غير الرشيد الحديث وأخذ يمازحه.
ولما فرغا من العشاء جاءهما الخدم بآنية الغسيل، فغسلا أيديهما وجلسا يتحدثان ساعة ثم استأذن جعفر في الذهاب، فأذن له الرشيد ومشى لوداعه إلى باب القاعة، فلما ودعه ورجع صر على أسنانه وقال في نفسه: «قتلني الله إن لم أقتله.»
أما جعفر فلم تنطل عليه مداجاة الرشيد، ولا انخدع بملاطفته ومجاراته؛ فقد خرج وهو يعلم أن مركزه أصبح في خطر؛ لاعتقاده أن تلك القصة لم يرد ذكرها عرضا كما أحب الرشيد أن يوهمه، ولا كان ينوي إطلاق العلوي كما زعم. وكيف يصدق ذلك وقد كان هذا العلوي مطلقا ومعه أمان بخط الرشيد وختمه، فما زال الرشيد يسعى حتى أفسد الأمان ومزقه، وأمر بالقبض عليه وحبسه؛ خوفا منه. فهل ينطلي على جعفر أنه كان ينوي إطلاقه مع ما اختبره من طباع الرشيد، وكظمه الغيظ وملاينته؛ ولكنه أظهر أنه صدق قوله، وافترقا وهما يتخادعان ويتداجيان، ويظن كل منهما أنه خدع صاحبه، وكلاهما خادع ومخدوع.
الفصل التاسع والأربعون
الخروج للصيد
अज्ञात पृष्ठ