فلم تقل زايا شيئا، ولم تطق المرأة سكوتها، فقالت وقد عاودها غضبها: سلها: هل تعرفين رده ديديت زوج رع؟ سلها: هل تذكر المرأة التي هربت معها حاملة طفلها الصغير منذ عشرين عاما فرارا من الطغاة؟ ... تكلمي يا زايا، قولي له كيف فررت تحت جنح الظلام، وكيف خطفت ابني الرضيع، وكيف تركتني في مجاهل الصحراء نفساء يائسة، لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا، حتى عثر بي الوحوش وأخذوني أسيرة وساموني سوء العذاب وذل الأسر عشرين عاما ... تكلمي يا زايا ... وقولي ماذا فعلت بطفلي؟ ... تكلمي ...
فاشتدت الحيرة بددف وهمس في أذن أمه متألما: أماه ... سامحيني، أنا الذي أحدثت لك هذا العذاب، أنا الذي جئت بهذه المرأة التي أفقدها الحزن رشادها، سامحيني يا أماه ... سأطرد هذه المرأة.
ولكنها أمسكت بيده تمنعه، فسألها بتوسل: لماذا لا تتكلمين يا أماه؟ ... هل تعرفين هذه المرأة؟
فأنت زايا أنينا مؤلما، وقالت لأول مرة بعد أن غشيها الذهول: لا فائدة ... تحطمت حياتي ...
فصاح الشاب بصوت كزئير الآساد: أماه لا تقولي هذا. فدتك نفسي يا أماه!
فتنهدت بحرقة وقالت: أوه يا ددف العزيز، بالله لم أقترف سوءا ولم أتعمد شرا، ولكن كان القدر يقضي بما ليس في مقدور إنسان دفعه. رباه! كيف تنهار حياتي دفعة واحدة!
فكاد الشاب يجن من الألم وقال: أماه! لا تنسي أني إلى جانبك أدفع عنك كل سوء، ما الذي يؤلمك؟ ما الذي يحزنك؟ سواء لدي ما يطويه ماضيك من خير أو شر، وما يهمني أن أعلم شيئا إلا أنك أمي وأني ابنك الذي ينصرك ظالمة ومظلومة، شريرة وخيرة. أتوسل إليك ألا تبكي وأنا إلى جانبك. - هيهات أن تستطيع معونتي! - محض أوهام يا أماه! ... أي خطب جسيم هذا؟ - لن تستطيع معونتي يا ددف العزيز ... رباه! كم بنيت من الآمال ولكني أقمتها على شفا جرف هار، فما كادت تستوي حتى انهارت إلى الحضيض مخلفة قلبي خرابا تنعق فيه الغربان.
واشتد التأثر بالشاب وتحول غاضبا إلى المرأة، ولكن هذه لم تلن، وما انفكت تسأل زايا قائلة: قولي لي أين ابني؟ أين ابني؟
وبهتت زايا هنيهة، ثم وقفت بحالة عصبية وصاحت بالمرأة: أتظنين أنني غادرة يا رده ديديت؟ كلا لم أك غادرة قط، لقد سهرت عليك ذاك اليوم العصيب، ولكن هاجمنا البدو فلم أر مناصا من الهرب، وأشفقت على طفلك من أذاهم فحملته على ذراعي، وعدوت به كالمجنونة، فكان فراري ضرورة طبيعية، وكان وقوعك بين أيديهم قضاء محتوما. ثم عنيت بطفلك ووهبته حياتي، ونفعه حبي فنشأ رجلا تفخر به الأمم، وها هو ذا يقف أمامك؛ فهل رأيت مثله إنسانا من قبل؟
وتحولت رده ديديت إلى ابنها وأرادت أن تتكلم، فلم يطاوعها لسانها، ولم تستطع إلا أن فتحت ذراعيها، وهرعت إليه وشبكتهما حول عنقه وشفتاها ترتعشان بهذه الكلمة: «ابني ... ابني.» وكان الشاب ذاهلا كأنه يرى حلما عجيبا، فبقي ساكنا ينظر تارة إلى زايا التي غدا وجهها يحاكي وجوه الموتى، وأخرى إلى المرأة المتعلقة به التي تعاطيه قبل الأمومة، وتحتويه بصدرها الخفاق، ورأت زايا استسلامه، وشاهدت في عينيه نظرة حنو وعطف، فأنت يائسة وولتهما ظهرها، ثم فرت من الحجرة كالدجاجة المذبوحة.
अज्ञात पृष्ठ