فقال وعيناه تلتهمان الشفتين اللتين تنثران الحديث: نعم هانت وتمنيت الموت صادقا، والموت تشتهيه النفس التي خسرت آمالها، ولم أك جبانا قط يا مولاتي، فلبثت أؤدي واجبي، ولكن كان يعذبني إحساس بتفاهة الغاية وعبث الجهد، وكانت تثقل علي وحشة تجثم على صدري وتغشى عيني بالظلمات.
فتنهدت وقالت: وكنت أنا أكافح كبريائي وأجاهد نفسي، وألقى منهما عذابا واصبا . - كم كنت قاسية علي! - وكنت على نفسي أشد قسوة، أتذكر ذلك اليوم على شاطئ النيل؟ لقد عدت يومها يدب في أعماق قلبي قلق غريب، وعلمت فيما بعد أنه قدر لقلبي أن يستيقظ على صوتك من سباته العميق، واكتشفت هذه الحقيقة تتقاسمني لذة المجازفة والخوف من المجهول، ثم ذكرت فخارك واعتدادك بنفسك فثرت وتمردت، وكنت كلما وقع نظري عليك قسوت على نفسي وقسوت عليك.
فتنهد وقال بلهفة أسيفة: كم عذبني غروري! أتذكرين ثاني لقاء لنا في قصر صاحب السمو؟ لقد انتهرتني في شدة وعنفتني تعنيفا قاسيا، وبالأمس لم تسمعي لشكاتي، وتركتني دون كلمة وداع، فهل تعلمين كم تعذبت وكم تألمت؟ هيهات ... فليتني اطلعت على الغيب! كانت أشد أوقاتي عبوسا أحقها بالسعادة، وكنت أشكو إلى الآلهة عذابي فتضحك من جهلي!
فابتسمت وقالت: وكانت تشهد الآلهة كبريائي فتضحك من هواني، فهل رأيت مثلنا ألعوبة من قبل؟ - ولما نزل ألعوبة تستحق الرثاء، فإني كلما أذكر ما أضعنا من وقت ثمين!
وتنهد آسفا حزينا، فقالت: على رأسي يقع وزر ذلك.
فنظر إليها بحنو وقال: فدتك نفسي من كل شر.
فابتسمت ابتسامة حلوة وقالت: أظن أن الوقت يقسو علينا هذه المرة.
فتنهد آسفا ونظر إليها بعينين مكتئبتين، فقالت تبث فيه روح الأمل: أمامنا مستقبل طويل مشرق بالأمل ... فتمن الحياة كما تمنيت الموت.
فقال بسعادة وابتهاج: لن يقدر الموت على قلبي ...
فوضعت إصبعها على فمه وقالت: لا تقل هذا.
अज्ञात पृष्ठ