فضحك الرجل وقال متعجبا: إلى منف يا سيدة؟! ألا تعلمين أن الراكب يقطع هذا الطريق في ساعتين؟
فقالت زايا بذلة وبؤس: إني أسير يا سيدي منذ العصر، وقد اضطرتني أسباب انقطاع الزاد إلى الهجرة، فتوهمت أني أستطيع أن أبلغ منف قبل جثوم الليل ... - ومن لك في منف؟ - زوجي كاردا الذي يشتغل في بناء هرم مولانا فرعون.
ومال الرجل إلى رجل في العربة التي إلى يساره وأسر إليه بكلمات، فقال الرجل: الأوفق أن يعود بها جندي إلى بلدتها.
فقال الأول: كلا يا خوميني فلن تلقى في بلدتها إلا الجوع والمهانة، فلنحملها معنا إلى منف.
وصدع خوميني بأمر مولاه، فترجل عن عربته وذهب إلى السيدة وعاونها على القيام، وسار بها إلى أقرب عربة وأركبها وطفلها، ووصى عليهما جندي العربة.
أما فرعون فقد التفت إلى المعمار ميرابو وقال له: لقد شق على قلبك الرقيق يا ميرابو أن ترى طفلا بريئا وأمه يذبحان بلا ذنب ولا جريرة، فإياك أن تتهم مولاك بالقسوة ... انظر إلي كيف أرضى أن أحمل امرأة جائعة وطفلها الرضيع لأقيهما شر البرد والجوع، وأبلغ بهما بلدا ما كانا بالغيه إلا بشق الأنفس؛ ففرعون رحيم بعباده، ولم أك أقل رحمة حين خرجت للقضاء على ذلك الطفل السيئ الحظ، ذلك أن فعال الملوك كفعال الآلهة قد تلبس رداء الوحشية، ولكنها في جوهرها حكمة سامية.
وقال الأمير رعخعوف: الأولى لك أيها المعمار ميرابو أن تعجب بقوة الإرادة الهائلة التي هزمت الأقدار، وقضت على قضاء القضاء.
وعاد خوميني إلى العربة، وأمر الملك قائد عربته بالمسير، فانطلق الركب صوب منف يشق أمواج الظلماء.
7
وصلت زايا إلى منف قبيل منتصف الليل بزمن قليل مع الركب الفرعوني، وقد نفحها الملك بقطعتين من الذهب، فسجدت بين يديه شاكرة ممتنة، وقد اعتقدت أنه قائد من القواد العظام، وودعته في ظلمة الليل دون أن ترى وجهه أو يرى وجهها.
अज्ञात पृष्ठ