فأحنى الضابط هامته طاعة، وأشار فرعون إلى القائد أربو فصعد إلى عربته، ثم أمر الملك قائد عربته بالسير فانطلقت كالقضاء ومن ورائها العربات إلى أون، التي بدا للعين سورها المحيط ورءوس أعمدة معبدها الكبير: معبد رع أتوم.
4
كان كاهن رع في تلك الأثناء يجثو إلى جانب سرير زوجه ويصلي صلاة حارة، ويقول: رع، أيها الرب الخالق الموجود منذ الأزل، والوجود بعد ماء جار في فضاء محيط يجثم عليه ظلام ثقيل، فخلقت أيها الرب بقدرتك كونا جليلا جميلا، شملته بنظام فاتن يسري حكمه الواحد على الأفلاك الدائرة في السموات، وعلى ذرات الثرى المنتثرة على وجه البسيطة، وجعلت من الماء كل شيء حي؛ فالطير يحلق في السماء، والسمك يسبح في الماء، والإنسان يضرب في الأرض، والنخل ينبت في جوف الصحراء القاحلة، وبثثت في الظلمات نورا بهيا يتجلى فيه وجهك ذو الجلال والإكرام، يبعث الدفء وينشر الحياة. أيها الرب الخالق أبث إليك همي وحزني، وأضرع إليك أن تكشف عني الضر والبلوى، أنا عبدك المؤمن وخادمك الأمين، اللهم إني ضعيف فهبني من لدنك قوة، اللهم إني خائف فأنزل علي الطمأنينة والسلام، اللهم إني مهدد بشر عظيم فاشملني برعايتك ورحمتك. اللهم إنك وهبتني على الكبر طفلا باركته وكتبت له في سجل الأقدار ملكا وحكما، فادفع عنه السوء وقه شر العدا.
نطق من رع بهذا الدعاء بصوت متهدج، وقد سحت عيناه دمعا ساخنا انحدر على خديه الناحلين وبلل لحيته البيضاء، ثم رفع رأسه الكبير ونظر بعطف إلى وجه زوجه النفساء الشاحب اللون، ثم نظر إلى الطفل الصغير وكان ساكنا هادئا يرفع جفنيه عن عينين صغيرتين سوداوين، ويسبلهما جفولا من نور ذاك العالم الغريب.
ولما أحست زوجه رده ديديت بفراغه من الصلاة قالت له بصوت ضعيف خافت: أما من خبر عن سرجا؟
فتنهد الرجل وقال: سيلحق بها الجنود بأمر الرب.
فقالت بقلق: أواه يا مولاي! أتعلق خيط حياة طفلنا باحتمال قد يصيب وقد يخيب؟ - كيف تقولين هذا يا رده ديديت؟ إني لم أنفك - مذ هربت سرجا - أفكر في وسيلة تقيكما السوء، وقد هداني الرب إلى حيلة، ولكني أخشى عليك وأنت نفساء لا تحتملين الشدة.
فمدت إليه يدا ضارعة، وقالت بتوسل: افعل يا زوجي ما فيه نجاة طفلنا، ولا يهولنك ضعفي فإني أستمد من أمومتي قوة دونها قوة الأصحاء ...
فقال الكاهن المتألم: اعلمي يا رده ديديت أني أعددت عربة وملأتها بالحنطة، وجعلت لك في ركن منها مكانا ترقدين فيه مع الطفل، وجهزت صوانا من الخشب ونزعت قعره، فإذا وضع عليكما أخفاكما عن الأنظار، وستسير بها وصيفتك الأمينة كاتا إلى عمك في قرية سنكا ... - ناد الخادمة زايا لأن كاتا نفساء كسيدتها، وقد ولدت طفلا ضحى اليوم ...
فدهش الرجل وقال: أولدت كاتا؟ وعلى كل حال فزايا لا تقل إخلاصا عن كاتا ... - وأنت يا زوجي؟! هب أن الحظ عثر وباء، وأن سر طفلنا بلغ فرعون فأرسل إليك بجنده، فبم تجيبهم لو سألوك عن الطفل وأمه؟
अज्ञात पृष्ठ