وإذا نظرنا في الثلاثة الأضرب التي قدمنا ذكرها وجدنا من الواجب أن نعتقد صحة جميع ما ذكرنا أنه يقين وحق لا شبهة فيه، ونشهد بصحة ذلك فلا تلجلجنا الشكوك فيه، فإنا متى شككنا في شيء منه أخطأنا وأثمنا. كما قلنا قبل هذا الموضع، وأن ننظر فيما أتى من الصنف الثاني الذي قد وقع الاشتباه فيه، وادعى كل قوم إصابة الحق فيه، فإن كان مما أتى من جهة القياس احتفظنا فيه بتصحيح المقدمات التي انتجته وحراستها من المغالطة التي قدمنا ذكرها، فإذا صحت ميزناها على كلم المقال إن كانت مما يقع لفظه على معان كثيرة، وننظر إلى أي وجه منها هو مراد المتكلم في قوله، فإذا ميزنا ذلك استخرجنا فصولها التي تنفصل بها غيرها، حتى يظهر الحد الذي يفرق بينها وبين ما يباينها، فإذا فعلنا ذلك صححنا التشبيه وألحقنا كل شيء بما يشبهه، فإذا أتينا بذلك على هذا الترتيب والتحصيل صح لنا ما نريد تصحيحه بالقياس إن شاء الله. وإن كان ما أتى من جهة الخبر عن الآحاد والجماعات القليلة العدد احتيط في ذلك أولا بعرضه على العقول، فإن باينها وضادها فهو باطل، وإن لم # يباينها، وكان مما يجوز في العقل وقوع مثله يتثبت في أمر نقلها حتى لا نؤخذ إلا ممن ظهرت عدالته، ولم يتهم بكذب، ولا وهم في خبره، ولم يكن فيما أخبر به جارا إلى نفسه، ولا دافعا عنها، ولم يعارضه خبر مثل خبره يبطل ما أخبر به وبجميع ما ذكرناه قد جاء القرآن، وجرت الأحكام، فقال الله - عز وجل - {وأشهدوا ذوي عدل منكم}، وقال: {إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا}، وأجمعت الأمة على ألا تقبل دعوى أحد لنفسه، ولا شهادته فيما جر إليها أو دفع عنها، وعلى أن الأخبار إذا تكافأت بطلت. ثم إن كان الخبر في أمر الدين عرض على كتاب الله - عز وجل - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإن وجد مخالفا خلاف مضادة علم أنه ليس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يضاد كتاب الله - عز وجل - وإن كان الخلاف من جهة خصوص وعموم، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، ومجمل ومفسر، كان ذلك معمولا عليه مأخوذا به على الشرائط التي ذكرناها في كتاب التعبير. وإن لم يوجد لذلك أصل في كتاب الله - عز وجل - وكان مما يجوز التعبير به، فليس ينبغي أن يدفع لأن الله - عز وجل - قد شرع على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - شرائع لم يثبتها في كتابه، منها: رجم الزاني المحصن، واليمين مع الشاهد، وتحريم كل ذي ناب ومخلب، وأشباه لذلك، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "أوتيت الكتاب ومثله معه"، أي من السنن التي شرعها الله - عز وجل - على يده، وقد روى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا ألفين # أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول: لا أدري، ما وجدت في كتاب الله - عز وجل - عملت به، بل يؤخذ بذلك إذا أتى عن الثقات، وكان مما يجوز أن يتعبد الله - عز وجل - عملت به" بل يؤخذ بذلك إذا أتى عن الثقات، وكان مما يجوز أن يتعبد الله - عز وجل - به عباده، ولم يضاد العقل والكتاب فإذا أتت أخبار الثقات بالشيء وضده، ولم يكن في نقلة المخبرين من يتهم بقلة ضبط ولا وهم، ولم يكن الخلاف في ذلك من جنس ما قدمنا، إلا أن من رواية الشيعة عن الأئمة - عليهم السلام - فقد علم أنهم - صلوات الله عليهم - لا يأمرون بالشيء وضده لأنهم حكماء، والمناقضة عن الحكماء منفية، احتاط العالم بأن سبب الخلاف في ذلك إنما هو خروج الجواب في أحد الحالين على سبيل التقية، والتقية إنما هي فيما خالف فتيا العامة، فلذلك أوصوا - عليهم السلام - فيما يؤثر عنهم، ولا يختلف فيه علماؤهم بأن نعمل فيما تضادت به الرواية عنهم بما يخالف فتيا العامة وعملها. وإن نقل إلينا أصحابهم عنهم - عليهم السلام - ما لا يعلم مخرجه [وقفنا فيه] ووكلناه إلى عالمه، ولم نعتقد في شيء منه تصديقا ولا تكذيبا إلى أن يتبين لنا ما يوجب أحدهما فنعتقده، إذ كان اعتقاد الباطل عندنا كدفع الحق، وبذلك أمرونا فقالوا: الأمور ثلاثة، فأمر تبين لك رشده فاتبعه، وأمر تبين لك غية فاجتنبه، وأمر اشتبه عليك فكله إلى عالمه وهذا ما في الاعتقاد [وبالله التوفيق والسداد].
पृष्ठ 91