تتخذ قنديلا؛ فإن الزجاج أحفظ من غيره، والزجاج لا يعرف الرشح ولا النشف، ولا يقبل الأوساخ التي لا تزول إلا بالدلك الشديد، أو بإحراق النار؛ وأيهما ما كان، فإنه يعيد المسرجة الى العطش الأول.
والزجاج أبقى على الماء والتراب، من الذهب الإبريز «١»؛ وهو مع ذلك مصنوع، والذهب مخلوق، فإن فضله الذهب بالصلابة، فضله الزجاج بالصفاء؛ والزجاج مجلّ، والذهب ستّار. ولأن الفتيلة إنما تكون في وسطه، فلا تحمّى جوانبه بوهج المصباح، كما تحمى بموضع النار من المسرجة. وإذا وقع شعاع النار على جوهر الزجاج، صار المصباح والقنديل مصباحا واحدا، وردّ الضياء كل واحد منهما على صاحبه.
واعتبر ذلك بالشعاع الذي يسقط على وجه المرآة، أو على وجه الماء، أو على الزجاجة؛ ثم انظر كيف يتضاعف نوره؛ وإن كان سقوطه على عين إنسان أعشاه، وربما أعماه. وقال الله جلّ ذكره: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ «٢» فِيها مِصْباحٌ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ، يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ، نُورٌ عَلى نُورٍ، يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ
. والزيت في الزجاجة نور على نور، وضوء على ضوء مضاعف. هذا مع فضل حسن القنديل على حسن مسارج الحجارة والخزف.
وأبو عبد الله هذا كان من أطيب الخلق، وأملحهم بخلا، وأشدهم رياء، أدخل على ذي اليمينين، طاهر بن الحسين، وقد كان يعرفه بخراسان بسبب الكلام، فقال له: منذ كم أنت مقيم بالعراق، يا أبا عبد الله؟ فقال: أنا بالعراق منذ عشرين سنة، وأنا أصوم الدهر منذ أربعين سنة. قال: فضحك طاهر، وقال: سألناك يا أبا عبد الله عن
1 / 42