كائنا ما كان سببه ، كانت وما تزال عظيمة ووخيمة ، وسنشير إلى بعضها في محلها إن شاء الله تعالى.
أعذار مفتعلة
إذا كان المنع من كتابة السنة أمرا عجيبا ، فتبرير هذا المنع بأنه كان لصيانة اختلاط الحديث بالقرآن الكريم أعجب منه ، وذلك لأن التبرير هذا أشبه بالاعتذار الأقبح من الذنب ، لأن القرآن الكريم في أسلوبه وبلاغته يغاير أسلوب الحديث وبلاغته ، فلا يخاف عليه من الاختلاط بالقرآن مهما بلغ من الفصاحة ، فقبول هذا التبرير يلازم إبطال إعجاز القرآن الكريم وهدم أصوله من القواعد.
ومثله ، الأعذار المنحوتة الأخرى لتبرير هذا المنع ، كخوف الانكباب على دراسة غير القرآن ، الذي نسب إلى الخليفة عمر بن الخطاب على ما مر ، غير أن مرور الزمان أثبت خلاف تلك الفكرة ، لأن كتابة الحديث من عصر المنصور لم تؤثر في دراسة القرآن وحفظه وتعليمه وتعلمه. وهناك أعذار منحوتة أخرى لا تقصر في البطلان عن سابقيها ولم تخطر ببال المانع أو المانعين أبدا ، وإنما هي وليدة « حب الشيء الذي يعمي ويصم » بعد لأي من الدهر ، والهدف منه هو إسدال العذر على العمل السيء ، أعاذنا الله منه.
وقد نحت الخطيب البغدادي مثل هذه الأعذار ، وقال : قد ثبت أن كراهة من كره الكتابة من الصدر الأول ، إنما هي لئلا يضاهى بكتاب الله تعالى غيره ، أو يشتغل عن القرآن بسواه. ونهى عن الكتب القديمة أن تتخذ ، لأنه لا يعرف حقها من باطلها ، وصحيحها من فاسدها. مع أن القرآن كفى منها ، وصار مهيمنا عليها ، ونهى عن كتب العلم في صدر الإسلام وجدته ، لقلة الفقهاء في ذلك الوقت ، والمميزين بين الوحي وغيره ، لأن أكثر الأعراب لم يكونوا فقهوا في الدين ، ولا جالسوا العلماء العارفين ، فلم يؤمن أن يلحقوا ما يجدون من الصحف بالقرآن. ويعتقدوا أن ما اشتملت عليه كلام الرحمن. (1)
पृष्ठ 72