قلت: فهذا الكلام سيعظمه في بادئ الرأي أو مطلقا من لم يعرف حقيقة ما جاء به الرسول ولم يعلم حقيقة الفلسفة التي طبق هذا الكلام عليها وعبر عنها بعبارات المسلمين.
فأما قول القائل: "إن القرآن اشتمل على الخلق وهي التي ظهرت للحس" وأشرف أفعال الله ما لم يظهر للحس يعني ولم يشتمل القرآن عليه فهذا مع ما فيه من الغض بالقرآن وذكر اشتماله على القسم الناقص دون الكامل وتطرق أهل الإلحاد إلى الاستخفاف بما جاءت به الرسل هو كذب صريح يعلم صبيان المسلمين أنه كذب على القرآن.
فإن في القرآن من الأخبار عن الغيب من الملائكة والجن والجنة والنار وغير ذلك ما لا يخفى على أحد وهو أكثر من أن يذكر هنا وفي القرآن من الأخبار بصفات الملائكة وأصنافهم وأعمالهم ما لا يهتدي هؤلاء إلى عشره إذ ليس عندهم من ذلك إلا شيء قليل مجمل بل الرسول إنما بعث ليخبرنا بالغيب والمؤمن من آمن بالغيب.
وما ذكره من المشاهدات فإنما ذكره آية ودلالة وبينة على ما أخبر به من الغيب فهذا وسيلة وذلك هو المقصود.
ثم يقال: إنه إنما ذكر الوسيلة يا سبحان الله؟ إذا لم يكن الإخبار عن هذا القسم في هذا الكتاب الذي ليس تحت أديم السماء كتاب أشرف منه وعلم هذا لا يؤخذ عن الرسول الذي هو أفضل خلق الله تعالى في كل شيء في العلم والتعليم وغير ذلك أيكون ذكر هذا في كلام أرسطو وذويه وأصحاب رسائل إخوان الصفا وأمثال هؤلاء الذين يثبتون ذلك بأقيسة مشتملة على دعاوى مجردة لا نقل صحيح ولا عقل صريح بل تشبه الأقيسة الطردية الخالية عن التأثير وتعود عند التحقيق إلى خيالات لا حقيقة لها في الخارج كما سننبه عليه.
1 / 222