Brief History of the Jews and Refuting Some of Their False Claims
موجز تاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة
प्रकाशक
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
शैलियों
موجز تَارِيخ الْيَهُود وَالرَّدّ على بعض مزاعمهم الْبَاطِلَة
تأليف د. مَحْمُود عبد الرَّحْمَن قدح
عُضْو هَيْئَة التدريس بالجامعة الإسلامية بِالْمَدِينَةِ المنورة
مُقَدّمَة
إنَّ الْحَمد لله نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونستهديه، ونعوذ بِاللَّه مِن شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا، مَنْ يهده الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أنْ لَا إِلَه إلاَّ الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أنَّ محمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَخَاتم أنبيائه وَرُسُله، صلَّى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بإحسانٍ إِلَى يَوْم الدّين.
أما بعد:
فإنَّ (تَارِيخ الْأَدْيَان) من المباحث الرئيسة الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا علم الْأَدْيَان، وَهُوَ مَبْحَث يهتم بدراسة تَارِيخ ونشأة الدّيانَة وتطورها، وتأثيرها على الْمُجْتَمع الإنساني.
وَقد اهتم عُلَمَاؤُنَا المتقدّمون فِي مؤلَّفاتهم بدراسة تَارِيخ الْأَدْيَان، وبالمراحل والتطورات الَّتِي يمر بهَا أَتبَاع الْأَدْيَان، ورصد انحرافاتهم عَن الدّين الْحق، لِمَا فِي ذَلِك من الْفَوَائِد فِي إِظْهَار الْحق وإزهاق الْبَاطِل، وَمَعْرِفَة أَسبَاب الانحراف عَن الدّين الْحق لتوقّيها وتحذير النَّاس مِنْهَا.
وَهَذِه دراسة موجزة عَن مَوْضُوع (موجز تَارِيخ الْيَهُود وَالرَّدّ على بعض مزاعمهم الْبَاطِلَة) لمعْرِفَة حَقِيقَة الْيَهُود المعاصرين، وَإِظْهَار فَسَاد دينهم وبطلانه، وَالرَّدّ على بعض دعاويهم وفضح ادّعاءاتهم الكاذبة، حَيْثُ إنَّ الْيَهُود قد جعلُوا تاريخهم جُزْءا من دينهم المنحرف وكتابهم المحرَّف.
وَقد قسمت الدراسة فِي الْمَوْضُوع كالآتي:
1 / 233
- التَّمْهِيد: ويشتمل على تَعْرِيف ومصطلحات.
- المبحث الأول: موجز تَارِيخ بني إِسْرَائِيل وَالْيَهُود.
- المبحث الثَّانِي: مزاعم يَهُودِيَّة بَاطِلَة.
وَالله الْمُوفق وَالْهَادِي إِلَى سَوَاء السَّبِيل
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد على وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ.
وَكتبه
د. مَحْمُود بن عبد الرَّحْمَن قدح
1 / 234
تمهيد
...
إِن المنطقة الَّتِي سيتركز الحَدِيث عَلَيْهَا أثْنَاء دراستنا لِلْيَهُودِيَّةِ وتاريخهم هِيَ فلسطين، فَمن الْمُنَاسب معرفَة بعض المعلومات عَنْهَا:
فَأَما مساحتها فتبلغ حوالي ٢٧.٠٠٠ كم٢، وتتمتع بموقع استراتيجي مُهِمّ جدا حَيْثُ تقع فِي قلب الْعَالم الإسلامي، وَفِي ملتقى ثَلَاث قارات (آسيا، إفريقيا، أوروبا)، وَفِي مَرْكَز مُهِمّ بِالنِّسْبَةِ للمواصلات الْبَريَّة والبحرية والجوية. وتتميز كَذَلِك بأراضي خصبة جدا وثروات معدنية كَبِيرَة.
وَأما تاريخها فقد سكنها الفينيقيون - من الْقَبَائِل الْعَرَبيَّة المهاجرة من شبه الجزيرة الْعَرَبيَّة - فِي الْألف الثَّالِث قبل الميلاد (سنة ٣٠٠٠ق. م)، وَإِلَى الْجنُوب مِنْهُم نزلت قبائل عَرَبِيَّة أُخْرَى أشهرها قبائل الكنعانيين حوالي سنة ٢٥٠٠ق. م. على ضفة الْأُرْدُن الغربية وَسميت المنطقة باسمهم فَأَصْبَحت تُدعى (أَرض كنعان) ووردت كثيرا بِهَذَا الإسم فِي التَّوْرَاة أَيْضا، وَفِي حوالي سنة ١٢٠٠ ق. م. نزلت بالسَّاحل المطل على الْبَحْر الْأَبْيَض جماعات تسمى قبائل فلستين جَاءَت من جَزِيرَة كريت (اقريطش) واختلطت بالكنعانيين فَأَصْبَحت الْبِلَاد تعرف بفلسطين١، وَقد كَانَت تسمى بـ (أَرض كنعان) فِي التَّوْرَاة قبل دُخُول إِبْرَاهِيم ﵊ إِلَيْهَا٢ وَبعده إِلَى زمن دُخُول بني إِسْرَائِيل إِلَيْهَا بعد مُوسَى ﵊، أما إِطْلَاق اسمهم عَلَيْهَا فقد كَانَ فِي آخر عهد الْقُضَاة تَقْرِيبًا فِي زمن نَبِي لَهُم اسْمه صموئيل، مَعَ بَقَاء الكنعانيين فِيهَا٣.
وَقد بَدَأَ الْفَتْح الإسلامي لهَذِهِ الْبِلَاد مُنْذُ عهد النَّبِي ﷺ الَّذِي سيّر جَيْشًا سنة
_________
١ - انْظُر: قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص٦٨٥، ٧٨٩، الْيَهُودِيَّة ص٤١ د. أَحْمد شلبي.
٢ - انْظُر: سفر التكوين ١٢/٥.
٣ - انْظُر: سفر صموئيل ١٣/٩، وأخبار الْأَيَّام الأول ٢٢/٢.
1 / 236
ثَمَان من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة إِلَى (مُؤْتَة) ١ لمقاتلة الرّوم٢، ثمَّ كَانَت غَزْوَة تَبُوك سنة تسع من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة٣، وَفِي آخر عَهده ﷺ جهّز جَيش أُسَامَة بن زيد ﵁ إِلَى تخوم البلقاء من الشَّام٤، وَقد سيّر الصّديق ﵁ ذَلِك الْجَيْش بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم٥. وَفِي عهد الْخَلِيفَة الصّديق ﵁ كَانَت موقعة (أجنادين) ٦ الَّتِي نصر الله فِيهَا جَيش الْمُسلمين بقيادة خَالِد ابْن الْوَلِيد ﵁ ونتج عَنْهَا فتح عدَّة مدن بفلسطين مِنْهَا: نابلس وعسقلان وغزة والرملة وعكا وَغَيرهَا، وَبِهَذَا مُهّد الطَّرِيق للزحف إِلَى بَيت الْمُقَدّس٧، ودعم ذَلِك موقعة (اليرموك﴾ الَّتِي انتصر فِيهَا الْمُسلمُونَ.
وَفِي عهد الْخَلِيفَة عمر بن الْخطاب ﵁ وجّه جَيْشًا بقيادة أبي عُبَيْدَة ابْن الْجراح ﵁ لفتح بَيت الْمُقَدّس الَّتِي حاصرها مُدَّة أَرْبَعَة أشهر حَتَّى طلب أَهلهَا الصُّلْح واشترطوا أَن يتَوَلَّى الْخَلِيفَة عمر بِنَفسِهِ استلام الْمَدِينَة، وَهَكَذَا كَانَ فجَاء عمر ﵁ وَكتب لَهُم وَثِيقَة الْأمان وَبنى مَسْجده فِي بَيت الْمُقَدّس٩.
_________
١ - منْطقَة تقع فِي شَرق الْأُرْدُن شمال البتراء، وعَلى مسيرَة أحد عشر كَيْلا جنوب الكرك.
انْظُر: (المعالم الأثيرة فِي السّنة والسيرة ص٢٣٧ مُحَمَّد شرّاب) .
٢ - انْظُر: السِّيرَة النَّبَوِيَّة ٤/٢٣ - ٤٥ لِابْنِ هِشَام، تَارِيخ الْإِسْلَام (الْمَغَازِي) ص٤٧٩ للذهبي.
٣ - انْظُر: المرجعين السَّابِقين ٤/٢١٥ - ٢٣٦، ص٦٢٧.
٤ - انْظُر: المرجعين السَّابِقين ٤/٣٨٤، ٣٨٥ - ٣٩٦، ص٧١٣.
٥ - انْظُر: تَارِيخ الْإِسْلَام (عهد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين)، ص١٩ للذهبي.
٦ - منْطقَة بفلسطين فِي الْجنُوب الغربي لبيت الْمُقَدّس، من أَعمال الْخَلِيل. انْظُر: (المعالم الأثيرة ص٢٠ مُحَمَّد شُرَّاب) .
٧ - انْظُر: تَارِيخ الْإِسْلَام (عهد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين)، ص٨١ - ٨٣.
٨ - نهر اليرموك طوله ٥٧ كَيْلا، وَهُوَ الْحَد الْفَاصِل بَين سورية والأردن، وَقد نشبت معركة اليرموك فِي سهل الواقوصة. انْظُر: (المعالم الأثيرة ص٢٩٧) مُحَمَّد شُرَّاب.
٩ - تَارِيخ الْإِسْلَام (عهد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين) ص١٦٢ للذهبي، الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة ٧/٥٥ لِابْنِ كثير.
1 / 237
وَبِهَذَا الْفَتْح أصبح بَيت الْمُقَدّس مُنْذُ شهر رَجَب سنة ١٦؟ دَار إِسْلَام يجب على الْمُسلمين فِيهَا إِظْهَار أَحْكَام الْإِسْلَام وشعائره والدفاع عَنْهَا، وَإِذا مَا استولى الْكفَّار عَلَيْهَا وأصبحت (دَار الْإِسْلَام المحتلة أَو المغتصبة) فَإِنَّهُ يتَعَيَّن على الْمُسلمين المقيمين فِيهَا الْجِهَاد لاسترداد حَقهم وأراضيهم من الْكَفَرَة المغتصبين، كَمَا يتَعَيَّن على الْمُسلمين المجاورين لَهَا الْقيام بِالْجِهَادِ مَعَ أَهلهَا كَمَا فعل الْملك صَلَاح الدّين الأيوبي رَحمَه الله تَعَالَى حينما استردها من الصليبيين الْكَفَرَة وأعادها إِلَى الْمُسلمين، ونسأل الله ﷿ أَن يرفع راية الْجِهَاد، وَأَن يُؤَيّد الْمُسلمين بنصر من عِنْده ﷿ ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ ١.
. العبرانيون، بَنو إِسْرَائِيل، الْيَهُود
إِن من الشعوب الَّتِي سكنت أَرض فلسطين فِي التَّارِيخ الْقَدِيم، شعب بني إِسْرَائِيل الَّذين سنتحدث عَن تاريخهم، لكننا نجد مسميات أُخْرَى لَهُم، كالعبرانيين، وَالْيَهُود، فَهَل هِيَ مصطلحات مترادفة؟ أم أَن بَينهَا فرقا؟!
وَقبل أَن نَخُوض فِي الحَدِيث عَن مَوْضُوع دراستنا (تَارِيخ الْيَهُود)، كَانَ لَا بُد من الْإِجَابَة على السُّؤَال الْمَطْرُوح؛ لصلته الْوَثِيقَة بموضوع الدراسة، فَنَقُول - مستعينين بِاللَّه -:
- أما العبرانيون: - فِي الِاصْطِلَاح - فَهِيَ كلمة مرادفة لـ (بني إِسْرَائِيل) المتحدرين من سلالة يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَتسَمى لغتهم العبرية أَو العبرانية٢.
_________
١ - سُورَة آل عمرَان، الْآيَة ١٢٦.
٢ - انْظُر: قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص٥٩٦، دروس اللُّغَة العبرية ص٣٢، ٣٣ د. ربحي كَمَال.
1 / 238
وَقد اخْتلف فِي أصل هَذِه التَّسْمِيَة على أَقْوَال مِنْهَا:
١ - أَنَّهَا نِسْبَة إِلَى (عَابِر) أَو (عيبر) وَهُوَ الْجد الْخَامِس فِي سلسلة نسب إِبْرَاهِيم ﵊ فِي التَّوْرَاة١.
٢ - أَنَّهَا نِسْبَة إِلَى إِبْرَاهِيم ﵊ الملقب فِي التَّوْرَاة بـ (ابرام العبراني) ٢ لعبوره نهر الْفُرَات أَو نهر الْأُرْدُن.
وَلم ترد هَذِه التَّسْمِيَة فِي الْقُرْآن الْكَرِيم، وَإِنَّمَا وَردت فِي السّنة النَّبَوِيَّة الصَّحِيحَة من حَدِيث عَائِشَة ﵂ وَفِيه: "فَانْطَلَقت بِهِ (النَّبِي ﷺ خَدِيجَة حَتَّى أَتَت بِهِ ورقة بن نَوْفَل بن أَسد بن عبدا لعزى - ابْن عَم خَدِيجَة - وَكَانَ امْرَءًا تنصر فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ يكْتب الْكتاب العبراني، فَيكْتب من الْإِنْجِيل بالعبرانية مَا شَاءَ الله أَن يكْتب"٣.
ووردت كَذَلِك فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة ﵁، قَالَ: "كَانَ أهل الْكتاب يقرأون التَّوْرَاة بالعبرية، ويفسرونها بِالْعَرَبِيَّةِ لأهل الْإِسْلَام، فَقَالَ رَسُول الله ﷺ: "لَا تصدقوا أهل الْكتاب وَلَا تكذبوهم، وَقُولُوا: ﴿ءَامَنَّا بِاللهِ وَمآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنْزِلَ إِلى إِبْرا؟يمَ وَإِسماعِيلَ وَإسحاقَ وَيَعْقُوبَ والأَسْباطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَآ أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِم لَا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِنْهُم وَنحَنُ لَهُ مُسْلِمُون﴾ ٤ " ٥.
_________
١ - انْظُر: سفر التكوين ١١/١٤.
٢ - انْظُر: تكوين ١٤/١٣. للتوسع (انْظُر: قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص٥٩٦، دروس اللُّغَة العبرية ص٣٦ د. يحيى كَمَال، تأريخ بني إِسْرَائِيل ٣٠ - ٣١ مُحَمَّد دروزة، بَنو إِسْرَائِيل فِي الْقُرْآن وَالسّنة ص١٨ د. مُحَمَّد سيد طنطاوي، الْيَهُودِيَّة ص٤٦ - ٤٧ د. أَحْمد شلبي) .
٣ - أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه (انْظُر: صَحِيح البُخَارِيّ ضمن فتح الْبَارِي ١/٢٢) .
٤ - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة ١٣٦.
٥ - أخرجه البُخَارِيّ. (انْظُر: فتح الْبَارِي ٨/١٧٠، ١٣/٣٣٣) .
1 / 239
- وَأما بَنو إِسْرَائِيل: - فِي الِاصْطِلَاح - فهم الأسباط الإثنا عشر أَبنَاء يَعْقُوب ﵊ وَمن جَاءَ من نسلهم.
- وَأما (إِسْرَائِيل): فَهُوَ نَبِي الله يَعْقُوب ﵊ بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًاّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ﴾ ١.
وَبِمَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس ﵄ فِي حَدِيث طَوِيل - أَن عِصَابَة من الْيَهُود جَاءَت إِلَى رَسُول الله ﷺ تسأله - وَفِيه: قَالَ رَسُول الله ﷺ: "أنْشدكُمْ بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى ﷺ، هَل تعلمُونَ أَن إِسْرَائِيل يَعْقُوب ﵇ مرض مَرضا شَدِيدا وَطَالَ سقمه فَنَذر لله نذرا لَئِن شفَاه الله تَعَالَى من سقمه ليحرمن أحب الشَّرَاب إِلَيْهِ وَأحب الطَّعَام إِلَيْهِ، وَكَانَ أحب الطَّعَام إِلَيْهِ لحْمَان الْإِبِل، وَأحب الشَّرَاب إِلَيْهِ أَلْبَانهَا؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نعم، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ ... " ٢. الحَدِيث.
وَقد ذكرت التَّوْرَاة قصَّة سَبَب تَسْمِيَة يَعْقُوب ﵊ بإسرائيل، حينما صارعه ملاك فِي صُورَة إِنْسَان حَتَّى طُلُوع الْفجْر، وَلم يُطلقهُ يَعْقُوب حَتَّى قَالَ لَهُ: لَا يدعى اسْمك فِيمَا بَعْد يَعْقُوب بل إِسْرَائِيل، لِأَنَّك جاهدت مَعَ الله وَالنَّاس وقدرت٣.
وَقد جَاءَ ذِكْر بني إِسْرَائِيل فِي الْقُرْآن الْكَرِيم وَالسّنة النَّبَوِيَّة كثيرا، خَاصَّة فِي مجَال تذكيرهم بنعم الله تَعَالَى عَلَيْهِم وعَلى آبَائِهِم وأسلافهم ودعوتهم، إِلَى
_________
١ - سُورَة آل عمرَان، آيَة ٩٣.
٢ - أخرجه الإِمَام أَحْمد ١/٢٧٣، ٢٧٨، وَالطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير ١٢/٢٤٧، وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة ٦/٢٦٦، ٢٦٧.
٣ - انْظُر: سفر التكوين ٣٢/٢٤ - ٣٢، قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص٦٩، ١٠٧٤.
1 / 240
الدُّخُول فِي الْإِسْلَام ومتابعة النَّبِي مُحَمَّد ﷺ وتهييجًا لَهُم بِذكر أَبِيهِم إِسْرَائِيل، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا بني إِسْرَائِيل اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم ...﴾ ١ الْآيَات.
وَتَقْدِيره: يَا بني العَبْد الصَّالح الْمُطِيع لله كونُوا مثل أبيكم فِي مُتَابعَة الْحق كَمَا تَقول: يَا ابْن الْكَرِيم افْعَل كَذَا٢.
- وَأما الْيَهُود - فِي الِاصْطِلَاح - فهم المتبعون لشريعة التَّوْرَاة من بني إِسْرَائِيل وَغَيرهم٣.
قَالَ الإِمَام ابْن تَيْمِية - رَحمَه الله تَعَالَى - فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: ﴿إنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْءَامَنَ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالحًِا فَلَهُم أَجْرُهُم عِنْدَ رَبِّهِم وَلا خَوْفُ عَلَيْهِم وَلا هُم يحَزَنُون﴾ ٤. قَالَ: إِن لفظ ﴿الَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى﴾ يتَنَاوَل جَمِيع أهل الْكتاب - التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل - الَّذين كَانُوا قبل النّسخ والتبديل، وَالَّذين كَانُوا بعد ذَلِك، فَهَذَا الِاسْم لَا يخْتَص بالكفار مِنْهُم، كَمَا أَن لفظ (بني إِسْرَائِيل) وَلَفظ (أهل الْكتاب) لَيْسَ مُخْتَصًّا بالكفار، وَلَكِن كَانُوا مُسلمين ومؤمنين مَعَ كَونهم من بني إِسْرَائِيل وَمن أهل الْكتاب، وَكَذَلِكَ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى٥.ا؟
_________
١ - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة ٤٠، ٤٧.
٢ - انْظُر: تَفْسِير ابْن كثير ١/٨٦.
٣ - أَي من غير بني إِسْرَائِيل لِأَن أجناسًا من الرّوم والخزر قد اعتنقوا الدّيانَة الْيَهُودِيَّة المنحرفة وَلَيْسوا من بني إِسْرَائِيل - فِيمَا سنبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فعلى هَذَا فَإِن مصطلح الْيَهُود أَعم من بني إِسْرَائِيل.
٤ - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة ٦٢. ونظيرها فِي سُورَة الْمَائِدَة، آيَة ٦٩ قَوْله تَعَالَى: ﴿إنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْءَامَنَ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالحًِا فَلَهُم أَجْرُهُم عِنْدَ رَبِّهِم وَلا خَوْفُ عَلَيْهِم وَلا هُم يحَزَنُون﴾ .
٥ - انْظُر: كتاب (تَفْسِير آيَات أشكلت) ١/٢٧٥، ومجموع فَتَاوَى شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية ٧/٥٥.
1 / 241
وَاخْتلف فِي أصل تسميتهم باليهود على أَقْوَال مِنْهَا:
١ - قيل: سمُّوا يهودًا من (الهوادة) وَهِي المودّة، لمودتهم فِي بَعضهم لبَعض.
٢ - وَقيل: من (التهوّد) وَهِي التَّوْبَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن مُوسَى ﵊: ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك﴾ ١، أَي تبنا. فكأنهم سُمُّوا بذلك فِي الأَصْل لتوبتهم ومودتهم فِي بَعضهم الْبَعْض.
٣ - وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: لأَنهم يتهوّدون - أَي يتحركون - عِنْد قِرَاءَة التَّوْرَاة٢.
٤ - ورد أَن (يهوذا) هُوَ الابْن الرَّابِع ليعقوب ﵊ وَنسب إِلَيْهِ سبط من الأسباط الاثْنَي عشر، ثمَّ أطلق اسْمه على المملكة الجنوبية (مملكة يهوذا) لِأَن مُلُوكهَا كَانُوا من سبط يهوذا وتمييزًا لَهَا عَن (مملكة إِسْرَائِيل الشمالية) وفيهَا الأسباط الْعشْرَة، وحينما تشَتت الأسباط وأُخِذَ سبط يهوذا إِلَى السَّبي البابلي فقد توسع مَعْنَاهُ، فَصَارَ يَشْمَل جَمِيع من رجعُوا من الْأسر من بني إِسْرَائِيل، ثمَّ صَار يُطلق على جَمِيع الْيَهُود المشتتين فِي الْعَالم٣.
قَالَ البيروني: إِنَّه قد أبدلت الذَّال الْمُعْجَمَة دَالا مُهْملَة (يهوذا - يهودا) لِأَن الْعَرَب كَانُوا إِذا نقلوا أَسمَاء الأعجمية إِلَى لغتهم غيروا بعض حروفها. ا؟٤.
وَقَالَ المؤرخ الْيَهُودِيّ شاهين مكاريوس: وَمن ذَلِك الزَّمَان - ٥١٥ ق. م
_________
١ - سُورَة الْأَعْرَاف، آيَة ١٥٦.
٢ - انْظُر: تَفْسِير ابْن كثير ١/١٠٧ فِي ذكر الْأَقْوَال السَّابِقَة.
٣ - انْظُر: خطط المقريزي ٣/٥٠٣، قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص١٠٨٤، الشخصية الإسرائيلية ص٢٨ - ٣١ د. حسن ظاظا.
٤ - صبح الْأَعْشَى ١٣/٢٥٣.
1 / 242
- يختفي ذكر الأسباط الْعشْرَة الْأُخْرَى، فَمن عَاد مِنْهُم - أَي من السَّبي البابلي - إِلَى فلسطين اخْتَلَط بسبطي يهوذا وبنيامين، وَفِي ذَلِك الْحِين سُمي الإسرائيليون يهودًا، ودُعيت بِلَادهمْ الْيَهُودِيَّة١.ا؟.
وَالْقَوْل الْأَخير – فِي نَظَرِي – أقرب الْأَقْوَال إِلَى الصَّوَاب؛ لما بيّناه٢، وَالله أعلم.
وَقد تكَرر ذكر الْيَهُود فِي الْقُرْآن الْكَرِيم وَالسّنة النَّبَوِيَّة كثيرا، خَاصَّة فِي سِيَاق بَيَان كفرهم وأقوالهم الْبَاطِلَة وَإِظْهَار خزيهم وفضائحهم والتحذير من مكائدهم وشرورهم، حَيْثُ لم ترد هَذِه التَّسْمِيَة فِي مقَام الْمَدْح لَهُم، وَإِنَّمَا وَردت فِي مقَام الذَّم والتقريع لَهُم، وَمن تِلْكَ الْآيَات القرآنية الدَّالَّة على ذَلِك: قَوْله ﷿: ﴿وَقالت اليَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهم وَلُعِنٌوا بِمَا قَالُو ابَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيفَ يَشآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثيرًا مِنْهُم مَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ طُغْيانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ العَداوَةَ والبَغْضآءَ إِلى يَومِ القِيامَةِ كُلَّمآ أَوْقَدُوا نَارًا للحَرْبِ أَطْفَأَها الله وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرضِ فَسادًا وَالله لَا يحُبُّ المُفْسِدينَ﴾ ٣.
- وَقَوله تَعَالَى: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يحُرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا ليًّا بِأَلْسِنَتِهِم وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَو أَنَّهُم قَالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَأَقْوَم وَلكِنْ لَعَنَهُم الله بِكُفْرِهِم فَلا يُؤمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ ٤.
- وَقَوله تَعَالَى: ﴿لَتَجِدَنِّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً للَّذِينَ ءامَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ
_________
١ - انْظُر: تَارِيخ الإسرائيليين، ص٣٢.
٢ - وَقد رجح هَذَا القَوْل الشَّيْخ مُحَمَّد صديق خَان - رَحمَه الله تَعَالَى - فِي كِتَابه: (لقطَة العجلان مِمَّا تمس إِلَى مَعْرفَته حَاجَة الْإِنْسَان، ص١١١) وَغَيره.
٣ - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة ٦٤.
٤ - سُورَة النِّسَاء، آيَة ٤٦.
1 / 243
أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَوَدَّةً للَّذِينَءَامَنُوا الَّذينَ قَالوآ إِنَّا نَصارَى ذَلِكَ بَأَنَّ مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُم لَا يَسْتَكْبِرون﴾ ١.
- وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابنُ الله وَقالَتِ النَّصارَى المَسِيحُ ابنُ الله ذَلِك قَوْلهُم بِأَفْواهِهِم يُضاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُم الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ ٢.
- وَقَوله تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَيُّها الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُم أَنَّكُم أَوْلِياءُ لله مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوا المَوتَ إِنْ كُنْتُم صَادِقين وَلا يَتمَنَّوْنَهُ أبدا بِمَا قَدَّمَتْ أَيدِيهِم وَالله عَلِيمٌ بِالظَّالمِين قُلْ إِنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُم ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عَالمِ الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتم تَعْمَلُون﴾ ٣.
وَغير ذَلِك من الْآيَات الْكَثِيرَة الَّتِي تَتَحَدَّث عَن الْيَهُود.
أَسمَاؤُهُم الْأُخْرَى:
للْيَهُود أَسمَاء وأوصاف أُخْرَى نذْكر مِنْهَا الْآتِي:
- أهل الْكتاب: لأَنهم يُؤمنُونَ بِالْكتاب الْمنزل على مُوسَى ﵊، وَهُوَ التَّوْرَاة، وَهَذَا الِاسْم يشْتَرك فِيهِ مَعَهم النَّصَارَى.
- أهل التَّوْرَاة: لإيمانهم بشريعة التَّوْرَاة وَأَنَّهَا مُؤَبّدَة لَا تنسخ.
- أهل السبت: لتعظيمهم يَوْم السبت وَتَحْرِيم الْعَمَل فِيهِ.
- قوم مُوسَى أَو أمة مُوسَى: لانتسابهم إِلَيْهِ وَإِلَى شَرِيعَته، واعتقادهم أَنه لَيْسَ هُنَاكَ نَبِي أفضل من مُوسَى ﵊.
- المغضوب عَلَيْهِم: لأَنهم علمُوا الْحق فَلم يعملوا بِهِ فاستحقوا غضب الله عَلَيْهِم ولعنته، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَلَا أعلم بَين الْمُفَسّرين فِي هَذَا - أَي أَن المُرَاد
_________
١ - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة ٨٢.
٢ - سُورَة التَّوْبَة، آيَة ٣٠.
٣ - سُورَة الْجُمُعَة، آيَة ٦ - ٨.
1 / 244
بقوله تَعَالَى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ ١ هم الْيَهُود – اخْتِلَافا، وَذكر الإِمَام ابْن كثير أَحَادِيث مروية فِي ذَلِك٢.
_________
١ - سُورَة الْفَاتِحَة، آيَة ٧.
٢ - انْظُر: تَفْسِير ابْن كثير ١/٣١، ٣٢.
المبحث الأول: موجز تأريخ بني إِسْرَائِيل وَالْيَهُود مدْخل ... المبحث الأول: موجز تأريخ بني إِسْرَائِيل وَالْيَهُود لمعْرِفَة حَقِيقَة الْيَهُود المعاصرين وَفهم ديانتهم المحرفة وَنقد كتبهمْ المقدسة لديهم، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي دراسة تَارِيخ بني إِسْرَائِيل، لِأَن الْيَهُود جعلُوا تاريخهم الطَّوِيل جُزْءا من دينهم المنحرف وكتابهم المحرّف، واعتبروه تراثًا مقدسًا يستمدون مِنْهُ شعائرهم وأخلاقهم وشعاراتهم وأفكارهم، وَإِن نظرةً سريعة إِلَى مَا تتضمنه كتبهمْ المقدسة لديهم تُبَيِّن لنا أَن ثَلَاثَة أَربَاع محتوياتها تشْتَمل على سرد تَارِيخ بني إِسْرَائِيل الطَّوِيل وَمَا جرى لَهُم من الْحَوَادِث فِي مُخْتَلف الْأَزْمِنَة والأمكنة. يَقُول المؤرخ الْيَهُودِيّ شاهين مكاريوس: وَلَا يخفى أَن مُعظم تَارِيخ الْيَهُود حَتَّى خراب أورشليم مَأْخُوذ من التَّوْرَاة، فَهِيَ خزانَة تاريخهم وحكاية مَا حلّ بهم من الْعُبُودِيَّة وَالظُّلم، وَمَا أَصَابُوهُ من الْعِزّ والفوز والسؤدد، كَمَا أَنَّهَا كتاب وحيهم ومجموعة معتقدهم وشرائعهم الدِّينِيَّة والأدبية والمدنية، فالناظر فِي تاريخهم لَا بُد لَهُ أَن يعْتَمد التَّوْرَاة لاستخلاص أخبارهم١. وَلما كَانَ تاريخهم طَويلا يَمْتَد لعشرات الْقُرُون، ومليئًا بالأحداث وَالرِّوَايَات والقصص، فَإِنَّهُ يصعب الْإِحَاطَة بتفاصيله فِي هَذِه الدراسة الموجزة، لَا سِيمَا وَقد _________ ١ - تَارِيخ الإسرائليين، ص٣، ٤.
المبحث الأول: موجز تأريخ بني إِسْرَائِيل وَالْيَهُود مدْخل ... المبحث الأول: موجز تأريخ بني إِسْرَائِيل وَالْيَهُود لمعْرِفَة حَقِيقَة الْيَهُود المعاصرين وَفهم ديانتهم المحرفة وَنقد كتبهمْ المقدسة لديهم، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي دراسة تَارِيخ بني إِسْرَائِيل، لِأَن الْيَهُود جعلُوا تاريخهم الطَّوِيل جُزْءا من دينهم المنحرف وكتابهم المحرّف، واعتبروه تراثًا مقدسًا يستمدون مِنْهُ شعائرهم وأخلاقهم وشعاراتهم وأفكارهم، وَإِن نظرةً سريعة إِلَى مَا تتضمنه كتبهمْ المقدسة لديهم تُبَيِّن لنا أَن ثَلَاثَة أَربَاع محتوياتها تشْتَمل على سرد تَارِيخ بني إِسْرَائِيل الطَّوِيل وَمَا جرى لَهُم من الْحَوَادِث فِي مُخْتَلف الْأَزْمِنَة والأمكنة. يَقُول المؤرخ الْيَهُودِيّ شاهين مكاريوس: وَلَا يخفى أَن مُعظم تَارِيخ الْيَهُود حَتَّى خراب أورشليم مَأْخُوذ من التَّوْرَاة، فَهِيَ خزانَة تاريخهم وحكاية مَا حلّ بهم من الْعُبُودِيَّة وَالظُّلم، وَمَا أَصَابُوهُ من الْعِزّ والفوز والسؤدد، كَمَا أَنَّهَا كتاب وحيهم ومجموعة معتقدهم وشرائعهم الدِّينِيَّة والأدبية والمدنية، فالناظر فِي تاريخهم لَا بُد لَهُ أَن يعْتَمد التَّوْرَاة لاستخلاص أخبارهم١. وَلما كَانَ تاريخهم طَويلا يَمْتَد لعشرات الْقُرُون، ومليئًا بالأحداث وَالرِّوَايَات والقصص، فَإِنَّهُ يصعب الْإِحَاطَة بتفاصيله فِي هَذِه الدراسة الموجزة، لَا سِيمَا وَقد _________ ١ - تَارِيخ الإسرائليين، ص٣، ٤.
1 / 245
كتبت فِي تاريخهم المجلدات والرسائل الجامعية الْكَثِيرَة، وَمِنْهَا:
- كتاب (تَارِيخ بني إِسْرَائِيل من أسفارهم) - للأستاذ مُحَمَّد عزة دروزة.
- وَكتاب (التراث الإسرائيلي فِي الْعَهْد الْقَدِيم وموقف الْقُرْآن الْكَرِيم مِنْهُ)، وَكتاب (التَّارِيخ الْيَهُودِيّ الْعَام)، وَكتاب (بَنو إِسْرَائِيل بَين نبأ الْقُرْآن الْكَرِيم وَخبر الْعَهْد الْقَدِيم)، وَكلهَا للدكتور صابر طعيمة.
- وَكتاب (الْيَهُود نشأتهم وعقيدتهم)، زكي شنودة.
- وَكتاب (الْيَهُود فِي تَارِيخ الحضارات الأولى)، للدكتور غوستاف لوبون، وَغَيرهَا من المؤلفات العديدة.
لذَلِك سنكتفي فِي هَذِه الدراسة بموجز عَن تَارِيخ بني إِسْرَائِيل وأبرز الْأَحْدَاث الَّتِي مرت بهم خلال تاريخهم الطَّوِيل فِي النقاط الْآتِيَة:
الْمطلب الأول: بَدْء تاريخهم - إِن تاريخهم يبْدَأ من إِسْرَائِيل – وَهُوَ يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - الَّذِي نَشأ وعاش فِي أَرض الكنعانيين (أَرض فلسطين)، وَقد ولد لَهُ اثْنَا عشر ولدا من أَربع نسْوَة وهم كالآتي: - رأوبين، شَمْعُون، لاوي، يهوذا، يسّاكَرُ، زبلون - وأمهم ليئة. - يُوسُف ﵊، بنيامين - وأمهما راحيل. - دَان، نفْتالي - وأمهما بِلْهة جَارِيَة راحيل. - جاد، أُشير – وأمهما زِلفة جَارِيَة ليئة١. وَهَؤُلَاء الْأَوْلَاد الإثنا عشر هم أصل الأسباط الإسرائيليين. _________ ١ - انْظُر: سفر التكوين ٣٥/٣٣.
الْمطلب الأول: بَدْء تاريخهم - إِن تاريخهم يبْدَأ من إِسْرَائِيل – وَهُوَ يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - الَّذِي نَشأ وعاش فِي أَرض الكنعانيين (أَرض فلسطين)، وَقد ولد لَهُ اثْنَا عشر ولدا من أَربع نسْوَة وهم كالآتي: - رأوبين، شَمْعُون، لاوي، يهوذا، يسّاكَرُ، زبلون - وأمهم ليئة. - يُوسُف ﵊، بنيامين - وأمهما راحيل. - دَان، نفْتالي - وأمهما بِلْهة جَارِيَة راحيل. - جاد، أُشير – وأمهما زِلفة جَارِيَة ليئة١. وَهَؤُلَاء الْأَوْلَاد الإثنا عشر هم أصل الأسباط الإسرائيليين. _________ ١ - انْظُر: سفر التكوين ٣٥/٣٣.
1 / 246
- ثمَّ قصَّة يُوسُف ﵊ الْمَشْهُورَة مَعَ إخْوَته وأبيهم يَعْقُوب ﵊، وانتقال إِسْرَائِيل (يَعْقُوب) وبنيه للعيش فِي أَرض مصر معززين مكرّمين فِي ظلّ يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام١.
- وَبعد وَفَاة يَعْقُوب ويوسف عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وتوالي السنون وتعاقب الْمُلُوك، تغير حَال بني إِسْرَائِيل فِي مصر من الْعِزَّة والكرامة إِلَى المذلة والمهانة، لِأَن فِرْعَوْن مصر اضطهد بني إِسْرَائِيل واستعبدهم٢ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ ٣.
_________
١ - وَردت الْقِصَّة مفصلة فِي سُورَة يُوسُف، وَفِي سفر التكوين من الإصحاح ٣٧ - إِلَى الإصحاح ٤٥.
٢ - ذكرت عدَّة أَسبَاب لذَلِك الإضطهاد، مِنْهَا:
أ - أَن فِرْعَوْن رأى رُؤْيا أفزعته مضمونها أَن زَوَال ملكه سَيكون على يَد رجل من بني إِسْرَائِيل. (انْظُر: تَفْسِير ابْن كثير ١/٩٣) .
ب - لخشيته من تكاثر عَددهمْ واستفحال نفوذهم. (سفر الْخُرُوج ١/٨، ٩) .
ج - أَن زمن دُخُول بني إِسْرَائِيل إِلَى مصر كَانَ فِي فَتْرَة حكم مُلُوك الرُّعَاة (الهكسوس) غزَاة أَرض مصر، وحينما طرد المصريون الهكسوس من أَرضهم واستعادوا ملكهم فَإِنَّهُم اضطهدوا بني إِسْرَائِيل المتعاونين مَعَ الْحُكَّام السَّابِقين. (انْظُر: قصَص الْأَنْبِيَاء ص١٥٣، ١٥٤ عبد الْوَهَّاب النجار، الْيَهُودِيَّة ٥١ - ٥٤، ٥٩ - ٦١ د. شلبي) .
٣ - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة ٤٩.
الْمطلب الثَّانِي: قوم مُوسَى - فَأرْسل الله ﵎ مُوسَى وَهَارُون عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام ابْني عْمرام بن قَهَات بن لاوي بن يَعْقُوب١عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى فِرْعَوْن وَقَومه مؤيّدين بالمعجزات لدعوتهم إِلَى الْإِيمَان بِاللَّه وَحده وَرفع الْعَذَاب عَن بني _________ ١ - سلسلة النّسَب من سفر التكوين ٦/١٦ - ٢٠، وَقد عَاشَ مُوسَى فِي الْقرن الثَّانِي عشر قبل الميلاد تَقْرِيبًا.
الْمطلب الثَّانِي: قوم مُوسَى - فَأرْسل الله ﵎ مُوسَى وَهَارُون عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام ابْني عْمرام بن قَهَات بن لاوي بن يَعْقُوب١عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى فِرْعَوْن وَقَومه مؤيّدين بالمعجزات لدعوتهم إِلَى الْإِيمَان بِاللَّه وَحده وَرفع الْعَذَاب عَن بني _________ ١ - سلسلة النّسَب من سفر التكوين ٦/١٦ - ٢٠، وَقد عَاشَ مُوسَى فِي الْقرن الثَّانِي عشر قبل الميلاد تَقْرِيبًا.
1 / 247
إِسْرَائِيل، فكذب فِرْعَوْن وَقَومه وعصوا وَكَفرُوا بِاللَّه وآياته، فَأمر الله رَسُوله مُوسَى أَن يخرج ببني إِسْرَائِيل من مصر، فأتبعهم فِرْعَوْن بجُنُوده، فأغرقهم الله فِي اليمّ، ونَجَّا مُوسَى وَقَومه إِلَى أَرض سيناء.
- وَكَانَ قوم مُوسَى ﵊ من بني إِسْرَائِيل - الَّذين خرج بهم من مصر - قد عاشوا فِي الْعُبُودِيَّة والذل والوثنية سنوات مديدة، ففسدت عقائدهم وخبثت نُفُوسهم وضعفت همتهم وَظهر عنادهم وكسلهم وتواكلهم وتخاذلهم وعصيانهم لأمر الله وَرَسُوله، ونريد أَن نقف هُنَا بعض الوقفات لنبين بعض أَخْلَاق سلف الْيَهُود وآبائهم مِمَّن كَانُوا مَعَ مُوسَى ﵊ فِي الْأُمُور الْآتِيَة:
- أَنهم شكّوا فِي موت فِرْعَوْن بعد أَن أغرقه الله فِي الْبَحْر، فَأمر الله تَعَالَى الْبَحْر أَن يلقيه بجسده سويًا بِلَا روح١. قَالَ تَعَالَى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ ٢.
- وَلما جاوزوا الْبَحْر ونجوا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ٣.
- وحينما وصلوا إِلَى صحراء سيناء وأحسوا بالعطش تذمروا وَشَكوا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام٤ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ
_________
١ - انْظُر: تَفْسِير ابْن كثير ٢/٤٤٦.
٢ - سُورَة يُونُس، آيَة ٩٢.
٣ - سُورَة الْأَعْرَاف، آيَة ١٣٨ - ١٣٩.
٤ - انْظُر: سفر الْخُرُوج ١٧/١ - ٧.
1 / 248
بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ ١.
- وَبعد أَن شربوا وأطفؤا ظمأهم جأروا بالشكوى إِلَى مُوسَى من الْجُوع وسألوا الطَّعَام٢ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي إِسْرائيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ ٣.
وَعَن ابْن عَبَّاس ﵄ قَالَ: كَانَ المنّ ينزل عَلَيْهِم على الْأَشْجَار، فيغدون إِلَيْهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ مَا شاؤا، والسلوى طَائِر يشبه بالسماني كَانُوا يَأْكُلُون مِنْهُ٤.
- ثمَّ طلبُوا بعد ذَلِك الْمَكَان الظليل الَّذِي يقيهم من حر الصَّحرَاء فَسَأَلَ مُوسَى ﵊ ربه ذَلِك، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ ٥.
وعَلى الرغم من كَثْرَة الْآيَات والمعجزات من الله ﷿ لقوم مُوسَى، فقد أظهرُوا العناد والمكابرة وَعدم الْإِيمَان حَتَّى يرَوا الله جهرة، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ
_________
١ - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة ٦٠.
٢ - انْظُر: سفر الْخُرُوج صَحَّ١٦.
٣ - سُورَة طه، آيَة ٨٠.
٤ - ذكره الإِمَام ابْن كثير فِي تَفْسِيره ١/٩٨ - ١٠٠، كَمَا ذكر أقوالًا أُخْرَى فِي تَعْرِيف الْمَنّ والسلوى.
٥ - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة ٥٧. وَانْظُر: تَفْسِير ابْن كثير ١/١٠٠ - ١٠١، فِيمَا نَقله عَن السّديّ ووهب بن مُنَبّه وَغَيرهمَا فِي تَفْسِير الْآيَات الْكَرِيمَة السَّابِقَة.
1 / 249
بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ١. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ ٢.
وَبعد هَذِه المعجزات والآيات الْبَينَات الَّتِي امتن الله بهَا على بني إِسْرَائِيل فَإِنَّهُم – حينما ذهب مُوسَى ﵊ لميقات ربه لأخذ التَّوْرَاة على جبل طور سيناء واستبطأوا رُجُوعه - رجعُوا إِلَى مَا ألفوه من الوثنية بِمصْر فعبدوا الْعجل٣، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ٤، وَمَعَ فداحة الذَّنب وَعظم الْخَطِيئَة فَإِن رَحْمَة الله ﷿ أكبر، وعفوه ﵎ أوسع وَأعظم قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ٥.
_________
١ - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة ٥٥ - ٥٦.
٢ - سُورَة النِّسَاء، آيَة ١٥٣.
٣ - انْظُر: سفر الْخُرُوج صَحَّ ٣٢، وتتهم توراة الْيَهُود هَارُون ﵊ بِأَنَّهُ صنع الْعجل لبني إِسْرَائِيل وَأمرهمْ بِعِبَادَتِهِ، وَقد برّأ الله ﷿ فِي الْقُرْآن الْكَرِيم هَارُون ﵊ من هَذِه التُّهْمَة الْبَاطِلَة وكشف عَن المجرم الْحَقِيقِيّ وَهُوَ السامري. قَالَ تَعَالَى: ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ . [سُورَة طه، آيَة ٨٧، ٨٨] .
٤ - سُورَة الْأَعْرَاف، آيَة ١٤٨ - ١٤٩.
٥ - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة ٥١، ٥٢.
1 / 250
وَلَكِن ذَلِك الْعَفو كَانَ لابد لَهُ من الْكَفَّارَة١ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ ٢.
ـ وَلما جَاءَهُم مُوسَى ﵊ بِمَا شرع لَهُم فِي التَّوْرَاة فَإِنَّهُم لم يقبلوها حَتَّى رُفع الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ٣.
وَمَعَ هَذَا كُله لم يحمد بَنو إِسْرَائِيل مَا هم فِيهِ من النَّعيم رب غَفُور وشراب طهُور وَطَعَام سَائِغ لَا يكلفهم أدنى مجهود وظل مَمْدُود بل ظلوا يضجرون ويتكاسلون وَيطْلبُونَ ويعاندون ويتمادون حَتَّى قَالُوا٤ مَا أخبر الله ﷿ بِهِ عَنْهُم فِي الْقُرْآن الْكَرِيم بقوله تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ ٥.
فَأَمرهمْ الله ﷿ أَن يدخلُوا الأَرْض المقدسة (بَيت الْمُقَدّس وَأَرْض الْخيرَات) وَوَعدهمْ بالنصر، وَطلب مُوسَى ذَلِك من قومه، فَقَالَ ﷿: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا
_________
١ - انْظُر: سفر الْخُرُوج صَحَّ (٣٢) .
٢ - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة ٥٤.
٣ - سُورَة الْأَعْرَاف، آيَة ١٧١.
٤ - انْظُر: سفر الْعدَد صَحَّ (١١) .
٥ - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة ٦١.
1 / 251
لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ ١.
فَحكم الله عَلَيْهِم بالتيه فِي صحراء سيناء أَرْبَعِينَ سنة يَسِيرُونَ دَائِما لَا يَهْتَدُونَ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ حَتَّى٢ مَاتَ ذَلِك الجيل المتخاذل العَاصِي الَّذِي خرج بِهِ مُوسَى من مصر وَلَقي من أذاهم وعصيانهم مَا لَا يُوصف، قَالَ الله ﷿ مُبينًا أذاهم لمُوسَى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ ٣.
- وَتُوفِّي هَارُون وَمن بعده مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي ذَلِك التيه، وَأقَام الله فِي بني إِسْرَائِيل يُوشَع بن نون٤ (فَتى مُوسَى) عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام
_________
١ - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة ٢٠ - ٢٦.
٢ - انْظُر: سفر الْعدَد صَحَّ١٣، ١٤، ٣٢.
٣ - سُورَة الصَّفّ، آيَة ٥.
٤ - يُوشَع بن نون ﵊ نَبِي من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل ثبتَتْ نبوته عِنْد الْمُسلمين فِي السّنة الصَّحِيحَة بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ: "غزا نَبِي من الْأَنْبِيَاء فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتبعني رجل قد ملك بضع امْرَأَة وَهُوَ يُرِيد أَن يَبْنِي بهَا ولمّا يبن، وَلَا آخر قد بنى بنيانًا ولمّا يرفع سقفها، وَلَا آخر قد اشْترى غنما أَو خلفات وَهُوَ منتظر أَوْلَادهَا، قَالَ: فغزا فَدَنَا من الْقرْيَة حِين صلى الْعَصْر أَو قَرِيبا من ذَلِك فَقَالَ للشمس: أَنْت مأمورة وَأَنا مَأْمُور اللَّهُمَّ احبسها عَليّ شَيْئا، فحبست عَلَيْهِ حَتَّى فتح الله عَلَيْهِ..." الحَدِيث - أخرجه البُخَارِيّ مُخْتَصرا. (انْظُر: فتح الْبَارِي ٩/٢٢٣)، وَمُسلم ٣/١٣٦٦ وَاللَّفْظ لَهُ، وَالْإِمَام أَحْمد ٣/٣١٨، وَيبين لنا حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْآتِي اسْم هَذَا النَّبِي الْكَرِيم، فَعَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ: "إِن الشَّمْس لم تحبس على بشر إِلَّا ليوشع ليَالِي سَار إِلَى بَيت الْمُقَدّس".
أخرجه الإِمَام أَحْمد ٢/٣٢٥ وَصَححهُ ابْن كثير (انْظُر: قصَص الْأَنْبِيَاء ص٣٧٧) والألباني (انْظُر: سلسلة الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ح٢٠٢)، وراجع سفر يشوع صَحَّ (١٠) .
1 / 252
نَبيا لَهُم خَليفَة عَن مُوسَى ﵊، وَلما انْقَضتْ مُدَّة التيه خرج يُوشَع ﵊ ببني إِسْرَائِيل إِلَى بَيت الْمُقَدّس فحاصرها وَفتحهَا الله عَلَيْهِم، وَأمرهمْ الله ﷿ حِين دُخُولهمْ الأَرْض المقدسة ﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ ١.
فَعَن أبي هُرَيْرَة ﵁ عَن النَّبِي ﷺ قَالَ: "قيل لبني إِسْرَائِيل: ﴿َادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ فَدَخَلُوا يزحفون على أستاهم فبدّلوا وَقَالُوا: حِطة حَبَّة فِي شَعْرَة" ٢.
فتعسًا لهَؤُلَاء الْقَوْم الَّذين يقابلون الْإِحْسَان بالإساءة، وَالْمَعْرُوف بالمنكر، وَالنعْمَة بالجحود، فاستحقوا بذلك غضب الله ﷿ عَلَيْهِم.
- وَبعد دُخُولهمْ الأَرْض المقدسة بَدَأَ يُوشَع ﵊ يكمل فتوحاته وَيقسم الْأَرَاضِي الَّتِي غنمها على أَسْبَاط بني إِسْرَائِيل الإثني عشر، وَبعد وَفَاة يُوشَع ﵊ تولى قيادة بني إِسْرَائِيل قضاتهم. وَمن هُنَا
_________
١ - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة ٥٨، ٥٩.
٢ - أخرجه الإِمَام البُخَارِيّ (انْظُر: فتح الْبَارِي ٨/١٦٤، ٣٠٨)، وَمُسلم ٤/٢٣١٢، وَأحمد ٢/١١٨، وراجع تَفْسِير ابْن كثير ١/١٠٣.
1 / 253