311

बिस्मार्क

بسمارك: حياة مكافح

शैलियों

ويعظم قلق بسمارك، وما أشد الحمى التي تشتعل في عروق هذا الشاب الذي يضع مسودات بيانات ويستعد لإرسالها إلى اثني عشر ديوانا عاما، على حين لا يزال سلفاه من الأحياء! أويجهل هذا الأمير أحكام الدستور الإمبراطوري، فينظر إلى أمراء الاتحاد على ذلك الوجه كما لو كان مسيطرا عليهم؟ ويكتب بسمارك بخط يده كتابا يبلغ ثماني صفحات عند الطبع، مجاوزا بذلك حدود طاقته كما قال، وفي هذا الكتاب يشرح بسمارك للأمير الوارث ولهلم ما قامت عليه الإمبراطورية من المبادئ ويطلب إليه أن يحرق مسودة الاقتراح تلك، ويصيب هذا الطلب المحز من الأمير، ولا غرو؛ فالكلمات الأولى للإمبراطور السابق لأوانه هي غير صالحة للتبليغ إذن! وعليه أن يحتمل هذا من مستشار قاسى بسببه الشيء الكثير! والأمير - وإن ثار ضد والديه عن أثرة - يمكنه اليوم أن يلقن نفسه بأن ذلك كان عن تضحية! وسيزعم الأمير - بعد زمن - أنه يحق له أن يكون محلا لشكر الشائب بسمارك!

ويبدو جواب الأمير باردا، وهو ينطوي على الوعيد الآتي، وهو: «ويل لهم عندما أغدو قادرا على الأمر!» أجل، إن هذه الكلمة كتبت ضد أناس آخرين، غير أن لهجتها القاطعة لا بد من أن تقرع أذني قارئها المرهفتين، فتتيح له فرصة التفكير في الأمر جديا، ولبسمارك من الحافز الصالح ما يقول معه لوارث العرش في رسالته المطولة: «أرى أن أقوى دعامة للنظام الملكي هو أن يعزم الملك عزما صادقا على ألا يكتفى بالاشتراك في إدارة أمور حكومة البلاد في الأيام الهادئة، بل يجب عليه في الأوقات العصيبة أن يستعد مستلا سيفه للسقوط صريعا على درج العرش مجاهدا في سبيل حقوقه غير جبان، فعاهل كهذا لن يتخلى عنه جندي ألماني.» وهل المصادفة، أو المعرفة العميقة بالخلق البشري، أو الرؤيا النبوية؛ هي التي دفعت بسمارك إلى كتابة ذلك الإنذار إلى ولهلم قبل ثلاثين عاما من اليوم الذي جعل القدر فيه ولهلم على محك التجربة فوهن بسبب ما في أخلاقه من ضعف جوهري؟

ويصير ولهلم ولي العهد، فيبدأ بالسير على غرار فردريك في نثر التعاليق بالقلم الرصاصي، وببعض هذه التعاليق نطلع على محاورات بين ولهلم الشاب وبسمارك وعلى نقض بسمارك لتفاسير الأمير بتفاسير مضادة في حقل السياسة العليا، وتصبح رسائل بسمارك لسفرائه في الخارج واسعة عامة شيئا فشيئا، ويصبح الأمير ذا حق في مطالعة نسخ عن أصل الأوامر الرسمية التي تنطق بالأمثال وتشتمل على دروس في سياسة الدولة، ويمكننا أن ننظر إلى رسائل بسمارك تلك في السياسة الخارجية كما ننظر إلى حكمة كاتب خيالي ناضجة أو كما ننظر إلى صورة مصور كبير رسمها بنفسه، ولما زاد في ألمانية كره روسية وصار الحزب العسكري يحرض على الحرب كتب إلى سفيره بفينة ما يأتي:

تظل الإمبراطورية الروسية التي لا تمحي والتي هي مدينة بمناعتها لمناخها وسهوبها

3

وقلة احتياجاتها عدوتنا الشديدة المتعطشة بعد الهزيمة إلى الانتقام كما هو أمر فرنسة في الغرب، وهكذا يكون الوضع متوترا دوما لا محالة، ولا أرى أن أحتمل مسئولية العمل على إحداث هذا الوضع، وقد تعذرت على أقوى الدول العظمى «إبادة» قومية في قرن كامل كما ثبت ذلك من حال بولونية البالغة الضعف، والرأي هو أن نعد روسية عامل خطر دائم فنقيم ضدها أسدادا للوقاية.

ويقرأ ولهلم ذلك، فيعلق على مسألة قيام عدو جديد محب للانتقام بقوله: «لا يكون أكثر مما عليه الآن.» فيجيب بسمارك عن هذا بكلمته: «أؤكد لكم بأنه يكون أكثر مما هو عليه!» ويعلق ولهلم على مسألة التعطش إلى الانتقام بقوله: «قد يتعطش إلى الانتقام، ولكنه لا يقدر عليه.» فيجيب بسمارك على هذا بكلمته: «إنه يغدو قادرا عليه بسرعة، كما اتفق لفرنسة بعد اثنتي عشرة سنة.» ويعلق ولهلم على مسألة إبادة إحدى القوميات بقوله: «نعم، ولكن قواهم المقاتلة زالت.» فيجيب بسمارك عن هذا بكلمته: «يمكنهم أن يعيدوا تكوينها في خمس سنين، فانظروا إلى مثال فرنسة.»

وبتلك المحاورة الصغيرة الخطية تبصر اصطراع الحنكة وقلة الصبر، وتبصر معارضة الرأي النضيج بالرأي الفطير، بيد أن بسمارك الشيخ يطمع أن يعلم ولهلم الشاب فيكتب إليه كتابا مطولا عن السياسة الألمانية الروسية ويحذره من التعليقات البعيدة المعنى قائلا له: «إن الموظفين الذين يطلعون على تعليقات سموكم - وأنا منهم - يصعب عليهم أن يحافظوا على أساس سياسة ألمانية السلمية عند تبدل العهد، وأفهم من تعليقات سموكم أنه يراد حملي على القول بما يناقض عقيدتي، وفي هذا من قلة الإخلاص لسياسة إمبراطور ألمانية ما هو أشد خطرا من العزم على الحرب.»

تلك هي الكلمات الرفيعة التي اختارها بسمارك إنذارا للأمير الشاب، وفي الغد يدهش بسمارك عند سماعه قول هذا الأمير إنه «بولغ في المعنى» الذي استخرج من تعليقاته موكدا أن ميوله الخاصة سلمية تماما، أفينطق الأمير الشاب عن هوى إذن؟ أولا يدرك ما يكون لما يقول من تأثير نفسي؟ ويضيف الأمير إلى ذلك قوله إنه سيمتنع بعد الآن عن إتيان مثل تلك التعاليق «تسليما جزئيا بالأسباب التي أبداها المستشار.» بيد أنه ما فتئ يرغب في اطلاع الجمهور على وجهات نظره بإحدى الطرق. ولم يحدث أن كتب ولهلم الشيخ بمثل تلك الوقاحة، «فالتسليم الجزئي» أمر جديد على بسمارك.

ومن الطبيعي - لا ريب - أن يتكلم الوارثون الشبان عن الحروب التي قد تكون ضرورية، وهؤلاء الشبان لا يعرفون ماذا تنطوي عليه هذه الحروب من الأخطار، وليس في القلق الذي يساورهم ما يقض مضاجعهم، وإن الأمير الذي يحيط به قواد محبون للحرب ليذعر إذا ما قرأ نبوءة بسمارك القاتمة الآتية التي خاطب بها وزير الحربية، قال بسمارك: «إذا قضت إرادة الله بهزيمتنا في الحرب القادمة لم يدخر أعداؤنا المنصورون وسعا في اتخاذ جميع الوسائل الممكنة لمنعنا من الشفاء مدة جيل كامل، ولا أعتقد أن أعداءنا يكتفون بالألزاس، فسيطالبون بأراض على طول نهر الرين، وليس لنا أن ننتظر العون من روسية والنمسة وإنكلترة كما تم لنا سنة 1812؛ فقد أبصرت هذه الدول ما اتفق لألمانية الموحدة من القوة.»

अज्ञात पृष्ठ