وكلين هاتنجن - الذي لم يعرف قدره - هو الكاتب الوحيد الذي استطاع أن يجيد وصف بسمارك وصفا نفسيا مستعينا بالوثائق التي أمكن الوصول إليها في زمنه. ولما حلت سنة 1911 حاولت أن أقف حيال أسطورة هذا الوزير الحديدي في رسالة نفسية، عارضا فيها - بطريق الوصف - طبيعة عدت من الألغاز. ثم انقضت عشر سنوات فوضعت رواية مؤلفة من ثلاثة فصول عن بسمارك طامعا أن تمثل على المسرح الألماني.
ويختلف السفر الوصفي الحاضر عن ذلك السفر غير السياسي الباكر، وليس في هذا الكتاب اللاحق ما هو مقتبس من ذلك الكتاب السابق؛ فما في هذا الكتاب من عرض لبسمارك فقد تم على نور جديد. ولا تبصر في الكتابين من أوجه الشبه سوى الصورة الأساسية التي تجلت بها تلك الطبيعة المعقدة، ومما اقتضى وضع كتاب جديد عن بسمارك أكثر ملاءمة لأصول النقد، ما أسفرت عنه الحرب الأخيرة من نشر وثائق قاطعة ومذكرات مفيدة، وما اتفق لنا من النضج.
وبدا أمر بسمارك الواضح الغامض أكثر وقفا للنظر مما كان عليه بعد تلك الأسانيد؛ فالذي يحاول اكتناه مكافح - بدلا من نحت تمثال له - يظل دهشا أمام تلك الحياة التي هي نسيج من نضال مستمر ونصر عارض وحرص دائم وعدم قناعة مستمرة، ومن حكمة في أكثر الأزمان وخطأ في بعض الأحيان، ومن عبقرية حتى في العماية والضلال.
الجزء الأول
التائه
بسمارك ذو مزاج تضنيه الحياة، ولكن الراحة تقتله.
أ. كيزر لنغ
الفصل الأول
في الصيف، تحت أشجار البلوط القديمة بالحديقة يلعب صبي أشقر بادن، حاد العينين قاتم الناظرين، هو في السنة الرابعة من عمره، ولكنه يبدو في السادسة من سنيه حين يحفر بمجرفته الأرض فيملأ عربة اليد فيقلبها بالقرب من الحوض حيث يبني بهمة حصنا من الحجر والتراب، والبستاني إذا ما أراد رد الصبي إلى البيت وقت الغداء صلب الصبي وغضب.
ذلك بيت ريفي عادي، كان منزلا لفلاح ثري، لا مسكنا لوجيه سري، ذلك بيت خشبي وضيع عاطل من الزخرف مؤلف من طبقة واحدة خلا وسطه حيث تبدو طبقة ثانية ذات خمس نوافذ، والصبي حينما ينظر من نافذته في الطبقة الأولى يمتد بصره ساكتا صامتا إلى سهل ذي بر
अज्ञात पृष्ठ