बिन्जामिन फ्रैंकलिन
بنجامين فرنكلين
शैलियों
هذه فقرات من مقاله الذي نشره في صحيفة الجنتلمان (عدد أبريل سنة 1747) وسماه دفاع مسز بولي بيكر، وأراد أن يعرض فيه مظلمة من مظالم المجتمع تلام عليها المجتمعات قبل ملامة الأفراد، وأن يقدم الاهتمام بالحقائق ودواعي الفطرة على الاهتمام بالمراسم والتقاليد، ومن كان يحسب نفسه بسجل يومي مكتوب عما زاد أو نقص من الفضائل المطلوبة، لا يظن به أن يبيح الجماح والانطلاق من نظام الحياة الاجتماعية، وإنما هو عارف بالمعاذير حيث ينبغي أن تعرف، وعارف بمواطن اللوم على المجتمع حيث ينبغي أن يلام.
كان خاطئا يقع في الخطيئة، ولكنه لا يبيحها، ولا يعفي نفسه من الملامة عليها والعمل على استدراك جرائرها كما سيأتي في الكلام على فرنكلين الإنسان، وكان يحب السرور، ولا يرى فيه حرجا من الدين ولا من الأخلاق، بل يراه واجبا من الواجبات التي ترضي عنه خالق الكون وما فيه من مسرة وجمال، وشرطه في السرور ألا يضر أحدا ولا يسف بالكرامة إلى مباذل الشهوات، فإن لم يكن فيه ضرر ولا إسفاف ولا ابتذال فهو حق للإنسان، بل واجب عليه.
ومما عرف عنه أنه قضى زمانا لا يذوق الخمر خفيفها ولا ثقيلها، وكان رفاقه في مطبعة العاصمة الإنجليزية يدعونه إلى شرب الجعة معهم فيأبى معتذرا ويسمونه من أجل ذلك بالأمريكي شارب الماء، وقد نظم في شبابه نشيدا لمجلس الشراب يشترك مع المجلس في غنائه ولا يشترك معه في شرابه، وما حرمها على نفسه لأنها حرمت عليه بحكم الدين أو القانون، ولكنه حرمها لأن سرورها مشوب غير خالص من العقبات وغير مأمون فيه أن يسترسل مع الشارب إلى الإفراط والإدمان.
لقد كان فرنكلين فيلسوفا بكثير من معاني هذه الكلمة في وضعها الأول ووضعها الحديث: كانت له عقيدة مفكر في الدين، وكانت له نظريات باحث في العلم، وكانت له مبادئ مبتدعة في السياسة، وكانت له آداب مرعية في نظام المعيشة، وكانت حياته الخاصة والعامة مدروسة من الوجهة الفكرية مروضة من الوجهة النفسية، وبعض أولئك كفيل بحسبانه في زمرة الفلاسفة المعدودين. إلا أنه فيلسوف يصعب على مؤرخي الفلسفة أن يضعوه تحت عنوان واحد من عناوين المدارس الفلسفية غير مستثنى منها مدرسة البرجمية التي ظهرت في وطنه بعد وفاته بأكثر من مائة سنة وقيل عنها: إنها المدرسة النموذجية للأمريكيين، وقيل عنه: إنه رائدها الأول من العلماء المفكرين.
نعم لا استثناء للبرجمية من مدارس الفلسفة التي يحاول المؤرخ الفلسفي أن يضع فيها فرنكلين؛ لأن ميزان الحقيقة عنده غير ميزان الحقيقة في المدرسة البرجمية، ولأنه قد يحتوي البرجمية ولا تحتويه. وإنما تزول هذه الصعوبة إذا أردنا أن نضع الفاصل بين فرنكلين وبين كل مدرسة فلسفية أو دعوة فكرية، فحيث لا عمل لا فلسفة لفرنكلين، وحيث لا توجد الفكرة المفهومة، فلا عمل كذلك لفرنكلين. وبهذا ينفصل أحيانا عن الواقعيين كما ينفصل عن المثاليين، وأصدق ما يكون تعريف الفيلسوف هنا تعريف الإنسان في مذهب أرسطو، وهو الحيوان الناطق المدني بالطبع، فهو حي يفكر لا ينسى وشائج القربى بينه وبين أبناء نوعه، وذلك هو فرنكلين الفيلسوف.
وذلك أيضا هو فرنكلين الإنسان.
الإنسان
دنيوي، عصري، إنساني، نفعي، ساخر، طينته عادية، مستر أمريكان!
هذه كلمات وصف بها فرنكلين، وأراد واصفوه بها أن يحصروه في قشرة بندقة كما يقولون في اصطلاحات الغرب، فأصاب كل منهم إصابة لا خلاف عليها، وأخطأ كل منهم خطأ لا بد أن يستدرك عند الإحاطة بصفات فرنكلين.
كل صفة من هذه الصفات لا تنبذ مرة واحدة ولا تؤخذ مرة واحدة؛ فهو في الحق دنيوي، وعصري، وإنساني، ونفعي، وساخر، وطينته عادية، ومستر أمريكان، وهو غير ذلك استدراكا على جميع تلك الصفات.
अज्ञात पृष्ठ