बिन्जामिन फ्रैंकलिन
بنجامين فرنكلين
शैलियों
ولما كان قد خلق في هذه الدنيا كثيرا من الأشياء التي لا غرض لها فيما يبدو منها غير إسعاد الناس؛ فإني لأومن أنه لن يغضب على أبنائه الذين ينعمون بتلك الأشياء، ويمتعون أنفسهم بالرياضات الحسنة والمسرات البريئة، وأنه لن يكون من المسرات البريئة ما فيه ضرر لإنسان.
إنني أحبه إذن لصلاحه، وأعبده إذن لحكمته، وعلي ألا أغفل عن حمد هذا الرب؛ لأنه حقه الذي لا أملك جزاء له غيره، وعلي أن أصحح العزم على التحلي بالفضيلة واغتنام السعادة لأرضيه بما فيه رضاي.
هذه العقيدة الساذجة مستمدة على ما يظهر من فلسفة أفلاطون الذي كان يفترض وجود الأرباب الصغار للتوسط بين إله الكون والإنسان وتعليل ما يحدث في العالم من الشر والأذى، وقد أعجبت فرنكلين في سذاجة الشباب فدان بها واصطحبها في أطوار حياته يعدلها ويكملها، ويعرضها على مقاييسه العلمية كلما تقدم فيها خطوة من الزمن والخبرة، فآمن بخلود الروح وحسابها بعد الموت؛ لأنه قاسها على خلق المادة فرأى أن الأرواح أحق بالصيانة والبقاء من المصنوعات المادية، وأن الله علمنا من حكمته أنه قادر على خلق مادة جديدة لكل جسم وكل شيء، ولكنه يتجنب الشتات والبعثرة ولا يصنع شيئا ليزيله ويفنيه، فليس من حكمة القصد في الخلق أن توجد الأرواح لتئول إلى الزوال والفناء.
وقد بقي معه من هذه العقيدة إيمانه بالله، وبالروح وبالحساب، وكتب خلاصة عقيدته إلى عزرا ستايل في الرابع والعشرين من شهر مارس سنة 1790 أي قبل وفاته بأيام فقال:
هذه عقيدتي.
أومن بإله واحد خالق للكون كله، وأومن بأنه يديره بحكمته، وأنه حقيق بالعبادة ولا شيء أرضى له من صنع الخير لمخلوقاته الأخرى.
وأومن بخلود الروح، وأن الإنسان يحاسب بالعدل بعد موته على ما صنع في هذه الدنيا. وهذه عندي هي أصول الإيمان في الدين الصحيح، وهي في موضع الإجلال عندي حيث وجدتها في كل نحلة وملة.
أما عيسى الناصري الذي يهمك أمر الاعتقاد به خاصة، فاعتقادي فيه أن وصاياه الأخلاقية وديانته كما تركها لنا خير ما شهدته الدنيا أو عساها تشهده، ولكنني أرى أنها تعرضت لمختلف التغييرات والتحريفات، وأشك في إلاهيته كما يشك معظم المخالفين الآن في إنجلترا، وإن كنت لا أقرر في ذلك عقيدة محتومة؛ لأنني لم أدرس المسألة، ولم أر ضرورة لهذا الدرس وأنا مقبل على الحقيقة أعرفها بأهون من هذا العناء، ولست أرى ضررا في اعتقاد من يعتقدها إذا كان لها كما هو الراجح أثر في زيادة الاحترام لوصاياه وزيادة العمل بها، وبخاصة حين أنظر فلا أرى أن العلي الأعلى يغضب لها، ويميز بين من يعتقدونها ومن لا يعتقدونها في سياسته للكون أقل تمييز. وأضيف إلى هذا فيما يخصني أنني - بعد ما اختبرته من كرم الله خلال حياتي هذه - لا يخامرني الشك أنه سيتولاني بمثله في الحياة الآتية، وإن لم أكن أهلا له بعملي.
3
هذه الفلسفة الدينية، أو هذه الديانة الفلسفية، وافقت فرنكلين فثبت على أصولها من الثانية والعشرين إلى الرابعة والثمانين، وحري أن توافقه كل الموافقة، وأن يطمئن إليها غاية ما يتاح له الاطمئنان في هذه الغوامض والمتشابهات؛ لأنها فلسفة نبتت من عقله وسليقته وأوشكت أن تنبت من كيان أعمق فيه من العقل والسليقة. فإن هذا الكيان المتزن قد تمثل في بداهة حيوية عنده توحي إليه بخطة القصد في جميع الأمور، فهنا فرنكلين العالم الذي يعقل بداهة أن الطبيعة تأخذ بسنة «الجهد الأقل»
अज्ञात पृष्ठ