बिन्जामिन फ्रैंकलिन
بنجامين فرنكلين
शैलियों
وإنني أتخيل الآن أن الريح متى هبت على ماء مغطى على ذلك النحو بطبقة من الزيت، لم يسهل احتكاكها به ذلك الاحتكاك الذي يبرز الموجة الأولى، بل تنساب فوقه وتدعه ساكنا كما كان، وهي تحرك الزيت قليلا ولا شك، ولكنها حركة بين الزيت والماء تساعده على الانسياب وتمنع الاحتكاك، كما يمنع احتكاك أجزاء الآلات، ولهذا يذهب الزيت الذي يراق في اتجاه الريح إلى الوجهة المقابلة؛ إذ كانت الريح في هذه الحالة لا تتمكن من إثارة الخلجات الأولى التي تتكون منها الأمواج، فتبقى البركة كلها على حالها من الهدوء.
وفي وسعنا إذن أن نقمع الموج حيث نريد إذا وصلنا إلى المهب الذي تنشأ منه أوائلها، ويتعذر ذلك في البحر المحيط أو يحدث في الندرة القليلة إن حدث، إلا أنه قد يتيسر بعض العمل لتخفيف دفعة الأمواج حين نكون في وسطها، فنمنع انكسارها كلما وافقنا ذلك؛ إذ لا يخفى أن الريح كلما هبت من جديد نجم وراء كل موجة خلجات صغار تزعج صفحتها وتهيئ للريح أن تأخذ بمقبضها لتدفعها دفعة أقوى، وهذا المقبض لا يتهيأ للريح بمنع الخلجات الصغار، وربما لم يتهيأ كذلك عند تزييت صفحة الموجة، فتدفعها الريح إلى أسفل بدلا من تحريكها إلى جانبها، وتعمل بذلك على تهدئة الموج بدلا من استمراره.
وهذا - على اعتباره من قبيل التخمين - لا قيمة له إن لم يكن صب الزيت في وسط الأمواج ذا بال، ولم يفسر بعد بتفسير غير هذا التفسير.
إن الريح عندما تهب متوالية بحيث لا تسرع الموجات إلى تلبية فعلها تكون رءوسها خفيفة، فتندفع وتتكسر كالرغو الأبيض، وإن الأمواج عادة ترفع السفينة ولا تدخلها، ولكن هذه الأمواج المرغية المزبدة إذا تعاظمت وارتفعت قد تغمرها وتعرضها للخطر العظيم.
وليس لدينا تجربة تثبت لنا أن هذا الخطر يمكن منعه، وأن ارتفاع الأمواج في البحر الزاخر مما يمكن تخفيفه؛ لأن ملاحظة بليني عن تجارب الملاحين في عصره لم يلتفت إليها، إلا أنني حادثت أخيرا صاحب السعادة الكونت بنتنك الهولندي، وابنه الربان بنتنك، والأستاذ العلامة اليماند، وأريتهم تجاربي في تهدئة الأمواج العالية على رأس البستان الأخضر، فذكر لي الكونت خطابا تلقاه من بتافيا عن إنقاذ سفينة في زوبعة بصب الزيت على الماء ، ووددت لو حصلت على نسخة من هذا الخطاب، فسمح لي الكونت بها بعد ذلك، وهذه هي نبذة من الخطاب المؤرخ في الخامس من شهر يناير سنة 1730 يقول فيها مستر تنجناجل للكونت بنتنك:
إنه على مقربة من جزائر بول وأمستردام لم يوجد ما يستحق التبليغ، إلا ما حدث من اضطرار الربان طلبا للسلامة أن يصب الزيت على الماء لمنع تدفق الأمواج فيها، فكان لذلك أثر بين ونجونا بفضله، ولما كان الربان قد حرص على صب الزيت قليلا بعد قليل، فشركة الهند الشرقية مدينة بنجاة سفينتها لست قنينات من زيت الزيتون، وقد كنت على ظهر المركب عند إجراء هذه التجربة، ولم يحملني على الكتابة بها إليك إلا ما وجدته من شك القوم في نفعها وضرورة العلم بهذا النفع وإقرار هذه التجربة بشهادتنا وشهادة الضباط في السفينة، مما تيسر لنا بغير مشقة.
لهذه المناسبة رويت للربان بنتنك فكرة خطرت لي أثناء الاطلاع على رحلات ملاحينا المتأخرين، وبخاصة حين يذكرون الجزر الجميلة الخصبة التي يتوقون إلى الإرساء بها إذ يلجئهم إلى ذلك الدوار والمرض، ثم يحول البحر المضطرب دون بلوغهم شواطئها، والفكرة التي خطرت لي أنهم يستطيعون الإرساء بها إذا ترددوا جيئة وذهوبا على مسافة قريبة من الشاطئ، وصبوا الماء أثناء ذلك مع اتجاه الريح الساحلية، فربما هبطت الأمواج قبل وصولهم إلى الشاطئ، وهدأت حركتها العنيفة هدوءا يمكنهم من الوصول إليه، إذ يكون في الأمر من الفائدة ما يساوي قيمة الزيت المصبوب.
وتفضل السيد، الذي أثرت عنه الغيرة على تحقيق كل ما فيه المصلحة، وإن لم يلتفت إلى مخترعاته الذكية الالتفات الواجب لها، فدعاني إلى بورتسموث حيث يرجى أن تسنح الفرصة للتجربة على شواطئ سبتهيد، وتلطف فزاملني في الرحلة، ووعد بإعطائي الزوارق اللازمة لتلك التجربة.
وعلى ذلك ذهبت إلى بورتسموث حوالي منتصف أكتوبر الماضي مع بعض الصحاب، وهبت ريح ساحلية بين مستشفى هسلار والموقع القريب من جليكر، فخرجنا من السفينة سنتاءور في زورق طويل وصندل متجهين إلى الساحل ، وكان ترتيبنا هكذا؛ الزورق الطويل على مسافة ربع ميل من الساحل، وفئة من الصحبة نزلت على الساحل وراء الموقع القريب من جليكر؛ وهو مكان محمي من ناحية البحر، ثم جاءت واستقرت على مكان مواجه للزورق الطويل حيث يتسنى لهم أن يراقبوا صفحة الماء، ويلاحظوا ما يطرأ عليها من التغيير بعد صب الزيت، وكانت فئة أخرى على الصندل على اتجاه الريح من ناحية الزورق الطويل في موضع وسط بينه وبين الساحل تذهب وتجيء وهي تصب الزيت على الماء من قدرة فيها سدادة مفتوحة أوسع قليلا من ريشة الأوزة، فلم تسفر التجربة عن النجاح الذي رجوناه ولم يلاحظ فرق محسوس على الموج بجوار الساحل، غير أن ركاب الزورق الطويل شاهدوا ممرا هادئا على طول المسافة التي كان الصندل يصب الزيت عليها يتسع كلما اقترب من الزورق الطويل، وأقول: إنه ممر هادئ، ولا أعني أن صفحة الماء كانت مستوية، بل أعني أنها مع ارتفاع الموج فيها لم يكن ثمة أثر للخلجات الصغيرة التي أشرت إليها آنفا، ولا للزبد الذي يعلو فوق رءوس الأمواج، وإن يكن في متجه الريح والجانب المقابل له كثير من تلك الخلجات، واتفق مرور زورق منشور الشراع هناك، فاختار الممر طريقا للعبور.
وقد يفيد وصف التجربة التي لم تنجح عسى أن تصحح التجربة في مرة أخرى، ولهذا وصفتها بالتفصيل، وأرجو أن أضيف إلى وصفها تعليلا لحبوطها وخيبة الأمل فيها.
अज्ञात पृष्ठ