عورة، يحاسبونك على النقير والقطمير، ويحسدونك على القليل والكثير، ويحرضون عليك الإخوان بالنميمة والبلاغات والبهتان، إن رضوا فظاهرهم الملق، وإن سخطوا فباطنهم الحنق، ظاهرهم ثياب وباطنهم ذئاب.
هذا ما قطعت به المشاهدة على أكثرهم، إلا من عصمه الله تعالى؛ فصحبتهم خسران، ومعاشرتهم خذلان.
هذا حكم من يظهر لك الصداقة، فكيف من يجاهرك بالعداوة؟ قال القاضي ابن معروف رحمه الله تعالى:
فَاحذَر عَدوكَ مَرَة ... وَاحذَر صَديقَكَ أَلفَ مَرَة
فَلَرُبَما اِنقَلَبَ الصَديقُ ... فَكانَ اَعرَف بِالمَضَرَة
وكذلك قال أبو تمام:
عَدوُكَ مِن صَديقِكَ مُستَفاد ... فَلا تَستَكثرِنَ مِنَ الصَحابِ
فَإِنّ الدَاءَ أَكثَرَ ما تَراهُ ... يَكون مِنَ الطَعامِ أو الشَرابِ
وكن كما قال هلال بن العلاء الرقى:
لَما عَفوتَ وَلَم أَحقِد عَلى أَحد ... أَرحتَ نَفسى مِن هُم العَداواتِ
إِني أَحيى عَدوى عِندَ رُؤيَتِهِ ... لأَدفَعَ الشَرَ عَنى بِالتَحياتِ
وَأَظهَر البَشَر لِلإِنسانِ أَبغُضُهُ ... كَأَن قَد مَلا قَلبى مَرات
وَلسَت أَسلَمَ مِمَن لَستَ أَعرِفُهُ ... فَكَيفَ أَسلَم مِن أهلِ المَوَداتِ
الناسُ دَاء دَواءِ الناسِ تَركُهُم ... وَفي الجَفاءِ لَهُم قِطَعُ الأَخواتِ
فَسالِم الناسَ تَسلَم مِن غوائِلِهِم ... وَكُن حَريصًا عَلى كَسبِ التقياتِ
وَخالِق الناسَ وَاصبِر ما بُلَيتَ بِهِم ... اَصَمٌ اَبكَمٌ اَعمى ذا تقيات
وكن أيضا كما قال بعض الحكماء: الق صديقك وعدوك بوجه الرضا، من غير مذلة لهما ولا هيبة منهما، وتوقر من غير كبر، وتواضع من غير مذلة، وكن في جميع أمورك في أوسطها، فكلا طرفى قصدن الأمور ذميم، كما قيل:
عَلَيكَ بِأَوساطِ الأَمورِ فإِنّها ... طَريقٌ إِلى نَهجِ الصِراط قَويمُ
وَلا تَكُ فيها مُفرَطا أَو مُفرَطا ... فَإِنّ كُلا حالِ الأُمورِ ذميمُ
ولا تنظر في عطفيك، ولا تكثر إلى وارئك الالتفات، ولا تقف على الجماعات، وإذا جلست فلا تستوفز، وتحفظ من تشبيك أصابعك، وكثرة بصاقك ونخمك، وطر الذباب عن وجهك، وكثرة التمطى والتثاؤب في وجوه الناس في الصلاة وغيرها، وليكن مجلسك هادئا، وحديثك منظوما مرتبا، واصغ إلى الكلام الحسن ممن حدثك من غير إظهار تعجب مفرط، ولا تسأله إعادته، واسكت عن المضاحك والحكايات، ولا تحدث عن إعجابك بولدك وشعرك وكلامك وتصنيفك وسائر ما يخصك، ولا تتصنع تصنع المرأة في التزين، ولا تتبذل تبذل العبد، وتوق كثرة الكحل والإسراف
1 / 69