فضحك حسين ملء قلبه، ولكن الرجل حدجه بنظرة انتقاد من بصره الأعمش، وقال: علام تضحك؟ ألم تتخلص بعد من عقلية التلاميذ؟ وبهذه المناسبة أقول لك إني رجل عصبي جدا، ولكن قلبي طيب، وكثيرا ما ألعن أبا أحسن واحد، بلا قصد سيئ ومع الاحترام الكلي للشخص الملعون! فافهمني ولا تنس أني في سن والدك!
فقال حسين في ارتباك شديد: لن يحصل بيننا ما يثير الغضب إن شاء الله. - إن شاء الله، أحببت أن أعرفك بنفسي، هذا كل ما هنالك، إني ألعن نفسي كثيرا، اللعن مريح في أحايين لا حصر لها، ولولاه لمات كثيرون كمدا! ستعلم عما قريب معنى العمل في مدرسة، (ثم متنهدا) وصل الكتاب الخاص بتعيينك من الوزارة (وبحث عنه في أوراقه حتى وجده) وهو الرقيم 1175 بتاريخ 26 من سبتمبر 1936، وقد جئتنا ونحن في أشد الحاجة إليك، وستبدأ الآن في مراجعة كشوف الأسماء والمصروفات، لقد تزوج الكاتب السابق من كريمة مفتش بالوزارة، فنقله فجأة إلى القاهرة، حضرتك متزوج يا حسين أفندي؟
فقال حسين مبتسما: كنت تلميذا حتى الربيع الماضي! - وهل تظن أن التلمذة مانعة من الزواج؟ لقد تزوجت وأنا تلميذ بالثانوي، وهذه أيضا من عادات أسرتنا كتسمية الابن الأكبر باسم أبيه، وكان لنا عادات أخرى عظيمة، أبطلها صدقي باشا لا سامحه الله.
فنظر حسين متسائلا، فاستدرك الرجل في حزن قائلا: والدي حسان بك وفدي كبير، وأحد أعضاء الهيئة الوفدية، وقد طالبه صدقي باشا أثناء حكمه المشئوم بالانفصال عن الوفد، ولما أبى كما ينتظر منه حرمه معونة بنك التسليف في عز الأزمة، فبيعت الأرض وضاعت الثروة.
فقال حسين: ولكن النحاس عاد إلى الوزارة؟ - ولكن الأرض ضاعت، والأدهى من هذا كله أن صدقي انضم إلى الوطنيين، وقد خطب أول هذا العام في مستقبليه بدسوق، فبلغهم تحيات «زعيمي النحاس» يا خسارتك يا حسان حسان حسان!
فتظاهر حسين بالتأثر وغمغم: ربنا يعوضكم عن خسارتكم خيرا.
فهز الرجل رأسه، وسكت دقيقة، ثم قال: حظك سعيد إذ عينت في المدرسة بعد أن ولى عهد الإضراب، كادوا يحرقون بنا المدرسة أثناء المظاهرات الأخيرة، لعن الله المظاهرات والطلبة وصدقي باشا، أين تقيم يا حسين أفندي؟ - في فندق بريطانيا. - فندق؟! خيبك الله! معذرة، أعني سامحك الله، الفنادق مقام غير صالح للإقامة الطويلة، ويجب أن تبحث فورا عن شقة صغيرة. - ولكني لم أحمل معي أثاثا؟
فتفكر حسان أفندي وهو يقرض أظافره باهتمام طارئ، ثم قال: فرش حجرة لن يكلفك كثيرا، ويمكن أن تؤدي ثمنه مقسطا بضمانتي إذا شئت.
وعاود التفكير وهو يتفرس وجه الشاب واستطرد: توجد شقة مكونة من حجرتين على سطح البيت الذي أقيم فيه، لن تزيد أجرتها عن جنيه واحد، فما رأيك؟
ثار اهتمام حسين لأول مرة بعد سماع قيمة الإيجار فقال: سأفكر في الأمر جديا. - الأمر واضح مثل 1 + 1 = 2، والآن هلم إلى العمل؛ فإن الأوراق أكوام مذ تزوج ابن القديمة ونقل إلى القاهرة.
अज्ञात पृष्ठ