فقال حسن في نبرات قوية: مثلي لا يضيع في الحياة؛ إني أستطيع أن أشق سبيلي. والفرص كثيرة، والأسلحة في يدي لا حصر لها، أصغي إلي يا أماه؛ لن أطالبك بغير المأوى واللقمة!
هذا أسلوبه ! يبدأ وكأنه يسلم بكل شيء، ثم ينتهي وكأنه يطالب بحقوق جديدة. المأوى واللقمة، وماذا يبقى بعد ذلك؟! ورمقته باستياء وقالت: إن حالنا لا يحتمل هذا الهذر. - الهذر؟! - أجل، نحن في حاجة إلى من يطعمنا فكيف نهيئ لك اللقمة؟! لماذا تضطرني إلى مصارحتك بهذا؟
فابتسم ابتسامة باهتة وقال: أعني إلى حين. حتى تفرج. لن يضيق البيت بي، أم تريدين أن تطرديني؟! وسوف ألتقط رزقي ما وجدت إليه سبيلا. ولكن هبي أياما انقضت دون أن أجد عملا، فلا أحسبك ترضين أن أموت جوعا. وعلى أية حال سأقاسمك رغيفك حتى أجد عملا!
وتنهدت في يأس. إنها حيال مشكلة حقا ولا تدري ماذا تفعل. وأخوف ما تخاف أن يستسلم لحياة البطالة والكسل والتسكع، خاصة إذا فتر تأثره بموت أبيه، فقالت برجاء: أرجو أن تبحث بجد وإخلاص عن عمل.
فقال بلهجة تنم عن الصدق: أعدك بهذا، وأقسم لك بقبر والدنا.
وأثار قسمه عاصفة حزن في الصدور لموقعه الأليم، وهزتهم «قبر والدنا» هزة عنيفة، فأجهشت نفيسة في البكاء، وغاص قلب حسنين في صدره، على حين رمق حسين أخاه بنظرة حيرة وعتاب، ولبثت الأم صامتة مليا تكابد جرحا عميقا، ولكنها لم تنس - حتى في هذه اللحظة - أنها لم تفرغ بعد من قول ما تريد قوله، فرددت عينيها اللتين انتفخ جفناهما واحمرت أشفارهما بين أبنائها ثم قالت: أما نفيسة فتحسن الخياطة. وهي تخيط كثيرا لجارتنا محبة ومجاملة، ولست أرى بأسا في أن تتقاضى على تعبها مكافأة.
وهتف حسن بحماس: عين الصواب.
ولكن حسنين صاح بغضب وقد اصفر وجهه غضبا: خياطة؟!
فأجابه حسن معترضا: ما عيب إلا العيب، فلتكن.
فقال حسنين بحدة: لن تكون أختي خياطة، كلا، ولن أكون أخا لخياطة.
अज्ञात पृष्ठ