فقال الشاب وهو يعاني ما يشبه الهزال والخور: هذا طبيعي جدا.
فعض الضابط على أسنانه كما بدا من تقبض صدغيه ثم قال باقتضاب: الأمر يتعلق بأختك ...
ورفع حسنين حاجبيه في استنكار ثم قال: تعني أخي؟ - الست أختك، ولكن معذرة أحب أن أسألك أولا: هل لك أخت تدعى نفيسة؟
فقال حسنين في ذهول: نعم، هل وقع لها حادث؟
فغض الرجل طرفه وهو يقول: يؤسفني أن أخبرك بأنها ضبطت في بيت بالسكاكيني ...
وفزع حسنين واقفا، متصلب الجسم، مصفر الوجه محملقا في وجه محدثه، وهو يلهث قائلا: ماذا تقول؟
فربت الرجل على كتفه متأثرا وقال: ادع كل قوة في نفسك كي تضبط أعصابك، الموقف يستلزم الحكمة لا الغضب، أرجو أن تساعدني على القيام بواجبي، ولا تجعلني أندم على ما اتخذت من إجراءات راعيت فيها المحافظة على كرامتك قبل كل شيء.
أنصت إليه وهو لا يزال يحملق في وجهه، تمتلئ عيناه بوجهه تارة فلا يرى سواه، ويغيب عنهما أخرى فيسمع الصوت ولا يرى شيئا، وثالثة لا يرى إلا شفتين تنطبقان وتنفرجان، فينثال من بينهما كلام هو الفزع واليأس والغرابة، وبين هذا وذاك ترمش عيناه في حركة عصبية فتلتقطان منظرا غريبا هنا وهناك؛ بندقية مثبتة في جدار، أو صفا من البنادق، أو محبرة، وربما امتلأ أنفه برائحة دخان محبوس أو رائحة جلود غريبة، ثم ينحل وعيه ويتراجع فجأة إلى ذكرى بعيدة لا صلة لها بالحاضر، فيلوح لذاكرته منظر عطفة نصر الله وهو صبي يلاعب حسين البلي؛ «ضبطت في بيت! أي بيت؟! إن أحدنا فاقد العقل ولا شك، ولكن من هو؟ ينبغي أن أتحقق من أني عاقل أولا ...» وتنهد في وهن، ثم سأله في استسلام: ماذا تقول يا سيدي؟ - يوجد في هذا الحي بيت تستأجره ست رومية، وتؤجر حجراته بالساعة للعشاق، كبسنا البيت عصر اليوم فوجدنا الست ... وجدناها مع شاب، واعتقلناها طبعا، وشرعت في اتخاذ الإجراءات القاسية التي تعرفها فاضطرت تحت تأثير الخوف أن تعترف لي بأنها شقيقة ضابط؛ على أمل أن أطلق سراحها . - أختي أنا؟ .. أأنت متأكد؟ ... دعني أراها. - اضبط نفسك أرجوك، لو كنت متأكدا من أنها أختك لأطلقت سراحها. ولكن خفت أن يكون اعترافها خدعة، قد عرضت المسألة على المأمور فوافق على وقف الإجراءات على شرط التأكد من صدق قولها.
ومن عجب أنه لم يعد يداخله أدنى شك في حقيقة الواقعة؛ فسرعان ما آمن بها قلبه المتشائم، ووجد في فظاعتها ترجيعا لأصداء خوف قديم طالما ناوش قلبه وعذبه، أجل، لم تخلق هذه الواقعة إلا لحظه ولأسرته! إنه يعلم هذا علما لا يتطرق إليه الشك؛ أهذه هي نهاية المطاف؟! ثم غلبه ذهول شعر معه بأنه أثر من آثار ماض منطو انقطعت صلته بالحاضر، فضلا عن المستقبل، كان هذا هو، ولكن لا يكون ولن يكون. ثم انبعثت منه لهفة على النهاية فقال بصوت ميت: أين هي؟ .. دعني أراها من فضلك.
فأشار الضابط إلى باب مغلق وقال: تركناها في هذه الحجرة؛ لأنها أغمي عليها حين علمت بأني أرسلت في طلبك بدل أن أطلق سراحها، اسلك سلوك رجل يحترم القانون، واذكر أني مسئول عن الأرواح. إنك رجل محترم ومهذب، فعالج الأمر بالحكمة، لا يصح أن يعلم أحد ممن في النقطة شيئا، ولكن هذا يتوقف على سلوكك أنت، تذكر هذا جيدا.
अज्ञात पृष्ठ