فقال الطبيب وهو يتهيأ للعمل: الظاهر أنك لا تدري خطورة الأمر! وعلى أي فلنؤجل هذا إلى حينه!
وتركه طوال العملية الجراحية غير مستقر ولا مطمئن، بل قضى حديثه الأخير على نوازع عطف كانت تتحرك في أعماقه. كان في ذهابه إلى المستشفى وعودته بالطبيب مجال حسن، هيأ له جوا طيبا تنمو فيه إحساسات العطف وتزكو، فنزعت به الذكريات إلى الأيام الخوالي التي كان حسن فيها المرفه الوحيد عن بأسائهم، واليد المبسوطة التي تجود فتحقق لهم الآمال. ولكن سرعان ما استثار القلق الخوف فتحجر قلبه، ونضب معين العطف، ولم يعد يرى في الرجل الجريح إلا نذير الشر الذي يتهدد سمعته ومستقبله! ها هو يرقد في غيبوبة شاملة لا يشعر بالأسلحة الدقيقة التي تعبث بلحمه وعظمه، وهكذا كانت حياته دائما جرحا عميقا يبتلي سواه بآلامه. أما هو فلم يفق من غيبوبته قط! أو لم يشأ أن يفيق منها، ألم يضرع إليه بالدموع أن يغير حياته؟ بلى، وكان جزاؤه السخرية الأليمة، فلو أنه مات في أرض بعيدة!
ثم ثبت عينيه على الوجه الذي أخذ يختفي تحت الأربطة فسرت في جسده رعدة، وامتلأ يأسا وانقباضا ، وأخيرا سمع الطبيب يخاطبه قائلا: انتهيت من الممكن عمله الآن، هلم معي إلى الخارج.
وانتظر حتى غسل الرجل يديه وارتدى جاكتته، ثم سار بين يديه إلى حجرة الاستقبال، ولم يجلس الرجل وبدا متفكرا، ثم قال بهدوء غير منتظر: لا أظن الحال خطيرة جدا ولكنه سيحتاج إلى علاج! طويل، يا له من اعتداء وحشي، لماذا لا تبلغ البوليس؟
فقال حسنين بجزع وإن رده قول الطبيب إلى بعض رشاده: أني أتفادى من الفضيحة، ومهما يكن من أمر فنحن أسرة واحدة!
فهز الطبيب رأسه فيما يشبه التذمر ثم قال بشيء من الحزم: سأعود لرؤيته صباحا؛ فإذا وجدته على ما يرام فبها، وإلا فسأجدني مضطرا للتبليغ.
وساوره القلق، فقال برجاء وكأنه يخاطب نفسه: أرجو ألا يحدث هذا.
ثم خاطب الطبيب قائلا: أني أشكر لك ما تجشمت من جهد وتعب.
واتجه الرجل إلى الخارج فوصله إلى الباب الخارجي، وهو يشد على يده بامتنان، ولم يشأ الطبيب أن يذهب قبل أن يكرر على مسمعه قائلا في توكيد: سأعود صباحا.
ووقف يتابعه بناظريه وهو يستقبل سيارته حتى انطلقت به مزمجرة في طريقها، فتنهد كأنه يزيح ثقلا لا يتزحزح ثم عاد إلى الحجرة، ينقل خطواته في كآبة، وما كاد يلج الباب حتى هرعت إليه أمه وسألته في لهفة وجزع: ماذا قال الطبيب؟
अज्ञात पृष्ठ