81
وعاد إلى مصر الجديدة غارقا في أفكاره ؛ فلم يكد يرى شيئا من الطريق، ولكنه استعرض صفحة مطوية طويلة من حياته كما فعل في مشرب الشاي قبل أن يتجه إلى بيت فريد أفندي، وكان على حيرته يشعر بسرور وأمل لم يشعر بمثلهما طيلة حياته! لقد أحب الفتاة فيما مضى ولكن حبه مات قبل أن يترعرع ويزدهر، ولم يبق منها في قلبه الحكيم الوافي إلا المثال الذي يحلم به للزوجة الصالحة، وإنه يذكر أنه تألم كثيرا وصبر كثيرا، فتعلم أنه بشيء من الحكمة يمكن أن يعثر في دنيا الألم على مسرات عالية، وخرج من التجربة ساكن القلب بسام الثغر، وكان يقول لنفسه متعزيا إن مواجهة سوء الحظ بالصبر والتسامح سرور ينبغي أن يعد من حسن الحظ. وهكذا تعزى ونسي من زمن طويل. ولما أن فتح له باب الأمل المغلق على حين غفلة نسي أنه كاد ينسى، وأزهر الحب في قلبه كأن ثائرته لم تهدأ لحظة واحدة من الزمان. وانطلق في سرور لا تشوبه شائبة حتى بلغ البيت. ووجد الجميع في انتظاره، فما إن وقعت أعينهم عليه حتى صاحوا به: ماذا لقيت؟!
ورأى أن يمهد للخبر العجيب الذي يحمله بأن يهول من خطر الأمور، فقال وهو يهز رأسه أسفا: وجدتهم على حال من التأثر انزويت لها خجلا وخزيا، ولأول مرة في حياتي رأيت فريد أفندي الرجل الوديع ثائرا غاضبا كاسرا ...
وسألته الأم بحسرة: خبرني عما حصل كله، ألم تقابلك بهية؟ - كلا، قابلني الرجل وحده، وقبل أن أفتح فمي بكلمة انهال علينا تأنيبا وتقريعا.
وأعاد عليهم كلام الرجل - فيما عدا الكلمات القارصة - مضيفا عليها من عنده ألوانا من التأثر والحزن؛ ليستثير ألمهم، ويستدر عطفهم حتى ملأهم الوجوم والخجل، إلا نفيسة فقد قالت: ما كان ينبغي أن تلقاه الليلة. وعلى أية حال فالخطأ الأول ينصب على من يقبل تلميذا صغيرا كخطيب لابنته، فضلا عن أن يكون هو الساعي بحيله إلى عقد الخطبة. ولا أجد حسنين مستحقا للوم؛ فقد كان تلميذا كما قلت لا يعرف ما يضره مما ينفعه، فلما أن بلغ طور الرجولة تبين أن الفتاة لا تصلح زوجة له، فماذا عليه إذا تركها؟!
وصمم حسين على أن يشق طريقه إلى هدفه؛ فقال بهدوء مخاطبا أخته: تكلمي عن الفتاة برفق من فضلك؛ فقد تصبح خطيبة أخيك الآخر!
وحملقت فيه الأعين بدهشة. وندت عن نفيسة آهة سريعة، وتساءل حسنين: ماذا تقول؟
فقال حسين وهو يتغلب على ارتباكه بقوة إرادته: يجوز أن تصبح خطيبة لي. - لك أنت! - لي أنا.
وهتفت نفيسة: كلام لا يدخل المخ! - ولكنه الحقيقة بلا زيادة ولا نقصان.
وسألته الأم وهي تتفرس في وجهه: هل خطبتها حقا؟
अज्ञात पृष्ठ