فمن المحتمل أن المؤلف قد جمع في بداية عمله في تصنيف الكتاب ما وجد من معلومات على أوراق كراسته ونحو ذلك، ولعل جزءا منها كان في حالة مسودته الأولى. ثم جاء ناسخ مخطوطنا أو من سبقه في نسخ تلك الأوراق ورأى محتواها جديرا أن يوضع في شكل كتاب وبخط واضح. وعند تحقيق ذلك المشروع كان الناسخ يحافظ على تتابع ورود تلك المعلومات في الأصل كما حافظ عليه في نسخ الفقرات السابقة. وأسفر هذا عن نتيجة غريبة: فمع ورود كل تلك المعلومات والملاحظات من نص ظاهره متصل ومتساو، فإن النص يعطينا في عدة مواضع الانطباع بأنه ليس إلا سلسلة متكونة من كلمات غير متصلة نحويا، ويصعب أن نكتشف لها علاقة مع المضمون أحيانا. ذلك ونتوقع أن الناسخ أهمل بياضا في حين، وضم عدة حواش تعود إلى المؤلف أو ملاحظاته الجانبية إلى النص في حين آخر.
على أساس فرضنا هذا سنعرض على القارئ في إحدى حواشينا على نص الفقرة 19 ما نراه شرحا للكلمات غير المتصلة الواردة في الموضع المختار. ونضيف على كلمات المخطوط لكي نحصل على نص متواصل منطقيا ونريد به إثبات علاقة بين الكلمات المنقطعة فحسب وليس قصدنا أن نعيد بناء النص في صورته الأصلية ففي ذلك تناقض واضح لفرضنا (1). ونتوقع أن بعض فقرات النص يمثل مرحلة مبكرة في تصنيف الكتاب وأن فيها سردا غير منتظم من أخبار وملاحظات وقطع منسوخة من مدونات. وهذا ليس من الظواهر غير المألوفة بل يمكن الإثبات أن غير القليل من التصانيف العربية القديمة قد مرت بهذه المرحلة واستند مؤلفوها إلى مثل هذه المسودات في التصنيف النهائي (2).
पृष्ठ 28