बी सरहा गैर मुतल्का

यूसुफ इदरीस d. 1412 AH
42

बी सरहा गैर मुतल्का

بصراحة غير مطلقة

शैलियों

كثيرا ما أسأل نفسي: هل فقدت الكتابة وفقد الكتاب أهميتهم في مجتمعنا؟ نحن لا نحيا حياة الشعوب العادية، لا تمضي حياتنا في سلاسة وتؤدة وإنما نحن نحيا في فترة استثنائية في حياة الأمم، فترة بناء الدار وتصنيعها وكفالة حق العمل والحياة والأمن لأفرادها. فترة يبنى فيها كل شيء أمامنا ونحس البناء وهو أساس، ثم وهو يعلو ثم، وهو يتم ويصبح حقيقة مجسدة لا تقبل الجدل، فترة المجد فيها للبناء والمهندسين والمحاربين والعمال والانتصارات.

في مثل هذا الجو النفسي، وفي الفترة التي امتلكنا لأول مرة كشعب إرادتنا بحيث أصبح من حقنا أن نريد، وفي قدرتنا أن نحقق بين يوم وليلة ما نريد، في فترة لا نحلم فيها وإنما نحن مشغولون إلى أقصى طاقتنا بتحقيق الأحلام، في فترة الكل فيها ثوار، الحكم فيها ثوري، والشعب ثائر، وحتى الأفراد كل منهم غير راض عن نفسه ووضعه يريد تحقيق ذاته وتحسين حاله والمطالبة بكل حقوقه، في هذا المهرجان الثوري الحافل الباني الصاعد المكهرب بالسرعة يريد أن يعوض في اللحظة ما تأخره من سنين.

أين يقف الكاتب من هذا كله؟ وماذا عليه أن يفعل؟ وماذا عليه أن يقول؟

إنني أكاد أسمع الأصوات الهاتفة المتحمسة وهي ترد على السؤال وتجيب: إن على الكاتب أن يتقدم الموكب ويحمل القلم في يده كما يحمل أخوه المدفع أو «البنسة»، وأن يساهم في معركة البناء القائمة على قدم وساق، إن الإجابة تأتي دائما هكذا بسرعة وحسم وبساطة. على الكاتب أن يحمل قلمه ويخوض المعركة ويصور بطولة البنائين وشجاعة المحاربين وزحف الشعب المقدس. بمعنى أدق على الكاتب أن يقوم بدوره كمهلل ومحفز ومحمس، على الشاعر أن ينشد القصائد قبل المعركة ليثير الدماء في العروق، وعليه بعد المعركة أن يمجد بطولات من خاضوها. وعلى القصصي أن يصور بفنه النموذج الإيجابي البطل كي يحذو المواطنون حذوه. لو هكذا فعل الشاعر والكاتب والفنان لأصبح الفن جزءا لا يتجزأ من معركة البناء، ولأصبح حقائق وانتصارات مجسدة مثله مثل أي مصنع يقام أو أي سلعة نفخر أننا صنعناها بأيدينا. هكذا يجيبك المتحمسون ببساطة، وببساطة أيضا يعزون تخلف أشكال الفن والكتابة وعدم أخذها المكانة الجديرة بها في حياتنا إلى تخلف الفنانين والكتاب وتقاعسهم عن القيام بهذا الدور.

فهل القضية بهذه البساطة؟ وهل حلها يتم بهذه السهولة؟ بمجرد أن يشد الكتاب والفنانون «حيلهم» ويخلعوا ثياب التواكل والفتور وتعديهم موجة الحماس؟

الفن ليس نصائح تربوية

الواقع أن القضية أبدا ليست كما يتصور هؤلاء البعض، فالخطأ الأساسي الذي يقعون فيه هو أنهم يتصورون بادئ ذي بدء أن الكتابة - أو الفن - دورها قاصر على تمجيد العمل البشري، وعلى دفع العاملين إلى العمل وحفز هممهم، إنه دور نوع بعينه من أنواع الفن والأدب، دور الأدب المدرسي والتربوي والحواديت التي تقال للأطفال لتحبب إليهم الخير وتبغضهم في الشر. إنه نفس الخطأ الذي يتورط فيه دعاة الفن للفن، والموسيقى من أجل الموسيقى وحدها وليس من أجل ما تحدثه في النفس والناس.

إن الأدب والفن ليسا نصائح تربوية ومدرسية من ناحية، وليسا فنا وأدبا من أجل الفن والأدب فقط، إن الآداب والفنون أهداف كبرى من أهداف الحياة الإنسانية نفسها، مثلها مثل لقمة العيش والرغبة في التناسل وحب الخير وازدراء كل ما هو شر، إن الفن جزء لا يتجزأ من الحياة، ومن أهدافها، لم يوجد مع الإنسان البدائي وحتى الحيوان عبثا، ولا عبثا كل تلك الأهمية والقداسة التي يكنها له الجنس البشري في كل المراحل والعصور. إن الإنسان بغير فن إنسان ناقص، بل بغيره لا يمكن أن يكون إنسانا، وليس في هذا أدنى مبالغة، فلنتصور حياتنا وقد خلت من الموسيقى والأغاني والروايات والقصص والرقص والدموع والضحكات، لنتصورها بغير إذاعة أو مسرح أو سينما أو تليفزيون أو جلسات وتجمعات، إن الخيال نفسه لا يطاوعنا على تصورها. وصحيح أن الفن لا بد أن يدعو لشيء ما، ولا بد أن يحتوي على ترفيه ما، ولكنه أبدا لا يمكن أن يكون فنا إذا اقتصر على الدعاية لشيء ما، حتى لو كان هذا الشيء أقدس المقدسات، أو الترفيه عن الناس حتى لو كان هؤلاء الناس هم جماهير الشعب بأسره، إن في الفن الحقيقي عناصر أخرى وأشياء تخاطب ما هو أعمق من حياتنا اليومية أو السنوية، وما هو أعمق من إثارة عواطفنا الوقتية من مرح أو شجن أو بكاء، كل ما في الأمر أننا لم نكتشف بعد ماذا تحدثه بالضبط هذه العناصر في نفوسنا، ولماذا نحتاجها كل هذا الاحتياج بحيث لا نستطيع الحياة كبشر بدونها، ونحن لم نكتشفها بعد لأن إنتاج الفن واستهلاكه ليست عملية ساذجة بسيطة كما يسذجها ويبسطها هؤلاء الذين ينعون على الكتاب والفنانين تقاعسهم، وإنما هي عملية معقدة، لغزها من لغز الحياة نفسها وسرها.

بناء في حد ذاته

المشكلة إذن أن الفن ليس جزءا متمما ومجملا لعملية البناء الاقتصادي والاجتماعي التي نقوم بها ويستغرقنا الحماس لإتمامها. المشكلة أن الفن نفسه بناء في حد ذاته، هدف لا يقل خطورة وأهمية عن صناعاتنا الخفيفة أو الثقيلة، بل هو أخطر منها بكثير؛ لأنه إذا كان يمت إلى صناعة ما بصلة فهو يمت إلى صناعة الإنسان، أثمن وأغلى وأرقى ما نمتلكه.

अज्ञात पृष्ठ