عاودتها الرعدة، فقال بجزع: لا شيء خطير ألبتة، لسنا أطفالا على أي حال. - لا تترك نقطة واحدة. - طبعا .. طبعا. استريحي واهدئي.
أغمضت عينيها في إعياء واستسلام، ورجع أناس من مكان الحادث إلى مقاعدهم، وهم يتبادلون التعليقات، فسأل صاحب المحل الذي لم يستطع مغادرته: كيف حال جاد الله؟ - مات وشبع موتا. - مسكين، لكنه رجل طيب ولا أعداء له؟ - القاتلان ليسا من البلد، صعيديان من أبنوب. - ما له وأبنوب؟ .. عرفته هنا منذ عشرين عاما. - ثأر قديم، هذا مؤكد.
وقال رجل بلهجة تلخيصية: لعله جاء من بلده هاربا، ثم عثروا عليه فانتهى عمره الليلة، حكاية لم تعد تدهش أحدا.
الهارب من الإعدام
غزا الجيش الألماني الأراضي البولندية ...
انطلق الخبر من راديو مثبت في كوة بجدار الحجرة الوحيدة القائمة في الخرابة، وترامى خارج الأسوار في أرض الخفير الواسعة، وصاح دحروج بحدة: هس .. اسمع أنت وهي.
سكت عن الزياط الولد وأخواته الثلاث. ولما رأوا الجد في وجه أبيهم تسللوا بين أكوام الخردة وإطارات السيارات وقطع الغيار إلى الطرف القصي من الخرابة، وهناك واصلوا لعبهم في أمان. وتوقفت آمنة عن نشر الغسيل رافعة رأسها فوق الحبل ما بين قضيب بنافذة الحجرة وسقف لوري قديم، وصاحت بزوجها محتجة: أفزعت العيال، ملعون الراديو وأخباره!
تجاهلها دحروج في غير ما غضب، وأخذ النفس الأخير من عقب سيجارة ممسك بأنمليه، ثم قال: إذن هي الحرب!
أدرك سلامة أن الكلام موجه إليه، فرفع رأسه عن عجلة كان يعالج إطارها، وحدج الرجل بعينين تلتمعان وسط لحية سوداء غزيرة تكتنف الوجه وتسترسل حتى الرقبة، ثم قال باستهانة: نعم، أخيرا صدقوا.
وانتهز سلامة فرصة تحول رأس دحروج نحو الصوت، فاسترق إلى المرأة نظرة استقرت فوق وجهها المشرئب ثم انحدرت إلى جسمها الممشوق الريان الصدر. ولمحته المرأة قبل أن يستردها كأنما توقعتها وسرعان ما ولته ظهرها. انحنى الرجل فوق العجلة وهو يقول لنفسه: ما أفظع الحرب في حرارة أغسطس! ما أفظع الحرارة! والتفت دحروج نحوه وهو يقول: طالما تنبئوا بأنها ستخرب العالم، ماذا عنا نحن؟
अज्ञात पृष्ठ