وضحكنا جميعا حتى هو ابتسم ابتسامة صفراء، ولكنه عاد يقول: صدقوني إننا نعاملها بما تستحق.
وعرف أن برهان يسعى إلى الانتقال إلى شركة أخرى، وأنه من غير المستبعد أن تمضي سحر في أثره. وذات صباح لاحظنا أن برهان لم يحضر. ومضى النهار دون أن نتلقى بلاغا باعتذاره كالمتبع. وكذلك مضى اليوم الثاني. وفي اليوم الثالث جاءتنا رسالة تنبئنا بوجوده في المستشفى للعلاج حيث وقع عليه اعتداء أثيم، وزرناه جميعا. وجدناه في جناح الجراحة مجبس الذراع والساق، ملفوفا بالأربطة البيضاء لا يبدو منه إلا عينان خابيتان. وسرعان ما أمرنا بمغادرة الحجرة، فلبثنا مع شقيقه في الاستراحة وقد تملكنا شعور بالرهبة والخطورة.
ولم يكن أدلى بأقواله بعد، ولكن شقيقه أخبرنا بأن مجهولين اعتدوا عليه بالعصي وهو راجع إلى بيته ليلا، ثم لاذوا بالفرار دون أن يتعرف على شخصياتهم أحد. والراجح أنهم كانوا من حملة الجلابيب، وأن الاعتداء والهرب كانا مفاجأة صاعقة، وأن الظلام كان كثيفا آخر الليل، هكذا قرر الشهود القلائل. ومع أن أفكارنا تلاقت عند ظن واحد إلا أن أحدا لم يجهر به بسبب وجود حسن السماوي بيننا. وقد علق على ما سمع قائلا: هذه حال من الفوضى لم يسمع عنها من قبل.
ثم سأل شقيق برهان: أله أعداء؟
فنفى الرجل أنه يعرف له أعداء، وأمل في مزيد من الوضوح عندما يستطيع برهان أن يدلي بأقواله. وعدنا جميعا واجمين، وقد احمرت من البكاء عينا سحر.
ولما أدلى برهان بأقواله استدعي حسن السماوي إلى التحقيق. وبدا أنه استبشع التهمة بكل قوة. واستمرت التحريات طويلا، ولكنها لم تسفر عن شيء. وكان على برهان أن يبقى في المستشفى طيلة شهرين أو أكثر. وسألني جاري ممتعضا: ما جدوى هذه الحياة؟
وحل بإدارتنا وجوم كئيب مشحون بالسخط الصامت، أكده باستمرار وجود سحر بيننا. وبطريقة أو بأخرى أعلنت وجوهنا وألوان سلوكنا عن باطننا. ولم نخرج في معاملته عن حد الأدب والمجاملة، ولكن تجهم أرواحنا حاصره بغضب بشري رهيب. ونزل عن كبريائه، فجعل يباسطنا في الحديث أو يضاحكنا لأوهى مناسبة كأنما ليسبر مدى ظنونه ومخاوفه، فكنا نجاريه في تكلف، وسرعان ما يسيطر الصمت. ولم يعد يتحملنا فهتف مرة دون مناسبة ظاهرة: أنا لا أخشى أحدا، ولكنكم مخطئون!
وتساءل رئيسنا في دهشة: ماذا تقصد يا سيد حسن ؟
فقال بعصبية: أنت تعلم وهم يعلمون، ولكني لا أخشى أحدا!
وتضاعف حنقنا عليه، وتمنى بعضنا أن يراه جثة هامدة. وبدوره قاطعنا، ولكنه كان إذا اشتبك معنا في حديث بسبب العمل تحدانا بجده أو بسخريته. وبمرور الوقت بدا كأنه قدر على تجاهل عواطفنا. بل وعاد إلى التقرب من سحر بالابتسامة الكريهة أو الكلمة، رغم أنها كانت تتصدى له في نفور متصلب كالديك المتحفز. ونجح في امتلاك زمام نفسه، وجرت حياته بصورة طبيعية شهدت له بقوة الأعصاب. وأخبرني جاري - نقلا عن سحر نفسها - أنه قال لها إنه بريء مما تظن، وإن نقطة ضعفه الوحيدة أنه يحبها، وأنه مصمم على أن يتزوج منها! والظاهر أنه لم يظفر بأية استجابة إذ صبحنا يوما بأن سألنا: هل قرأتم الحكاية؟
अज्ञात पृष्ठ