يا رب.
هل يرضيك أن نسقط؟ هل يرضيك أن نأثم؟ هل يرضيك أن يلبسنا الشيطان ويسود؟ أغثني يا إلهي، أدركني، ساعدني، أنا في الهاوية، من ينتشلني سواك؟!
أكان لا بد يا «لي لي» أن تظلي تتقلبين حتى ينحسر القميص إلى أعلى ويتبدى جسدك تحت وهج الضوء الساطع أبيض يكاد من بياضه يضيء، عاريا تماما، ملتويا في الفراش، ناشرا أطرافه، قابضها، أي جحيم كان في داخلك، لا يطفئه عري ولا فجر ولا برودة الدنيا كلها؟!
وكل هذا في النور الساطع.
أكان لا بد يا «لي لي» أن تضيئي النور؟! •••
لم يبدأ الناس يستيقظون لأن صوته العالي أقلق منامهم، فلا أحد يذكر أنه تنبه من نومه المخدر ضجرا من الأذان المرتفع الذي أيقظه من أحلى منامة، الحقيقة كان الواحد منهم يستيقظ على شعور أن ثمة شيئا جميلا رائعا يحدث حوله ولا بد من اليقظة للتمتع به، كان الصوت قد استحال إلى عطر نفاذ أليف امتلأ به جو الحجرة وراح يتسرب إلى أنفه النائم، وبرقة زائدة يتسلل إلى خياشيمه، تسللا ممتعا يستيقظ من شدة متعته، دافئا ملتاعا عميقا، حنونا، يسري كالموسيقى الهفهافة المعطرة، يبدأ النائم يعتقد أنه حلم ولكنه بعد حين يدرك أنه لا يحلم وأنه استيقظ، ومع ذلك لا يزال ينتشي بالصوت الذي يأتيه حقيقة، لا شك فيها.
يا رب.
كم مرة قيلت، كم مرة تلونت وتنوعت وطالت، ورقت، كم من المعاني قيلت فيها وبها، كم استعطفت، كم استجدت، كم غضبت، كم امتعضت، كم تدللت، كم دمعت وابتسمت، كم جاءت وكأنها آخر الأنفاس، وكم جاءت وكأنها أول علامة حياة، كم صدرت عن طفل وعن رجل، وعن خاطئ وعن مستغفر، وعن تائب وعن مؤمل، وعن يائس وعن معلق بين اليأس والأمل.
كلمة، ولكنها أيقظت الحي كله، حتى من لم تفلح في إيقاظه أيقظه من استيقظ، في أسرتهم وفي أماكن نومهم راحوا يستمعون، ثم وكأنما أصبح للكلمة قوة جذب، استخرجتهم من رقدتهم وغادروا بيوتهم بشعور غريب، يشيع في صدورهم لأول مرة، شعور طازج محير لم يألفوه أبدا، شعور وكأنهم أصبحوا قرباء جدا من الله وأن الله غير غاضب وأنه رحيم أليف، شعور يملؤهم على الفور بالسعادة؛ إذ في أعقابه يحسون أنهم، وكأنما اكتشفوها للتو، يحبون الله وأن الله يحبهم وأنه جد قريب، لم يبق بينهم وبينه سوى خطوة.
وفي الجامع تلاقت الوجوه، غارقة لا تزال بماء الإفاقة والوضوء، ولأنهم لم يعتادوا التلاقي في زمن كهذا ومكان كهذا فقد أحسوا أنهم وكأنما يتعارفون حالا، واليوم فقط يبدءون، صامتين مذهولين بالنشوة جلسوا يمتصون بآذانهم رحيق الأذان، يستعذبونه، يختزنونه في أنفسهم كما يختزن غذاء الروح ليوم تجوع فيه الروح.
अज्ञात पृष्ठ