الشيطان.
حولي وفي كل مكان، في همسة الحرمة، في النظرة تصوب إلي من خلفي لاسعة كسيخ الحديد قادمة لتوها من جهنم، فلأر الشيطان وجها لوجه، ولا أعود أغض البصر، أصبحت بعينين واسعتين أحدق، وبما أصبه من خلالهما أنفي من نفسي الخجل والعفة وبهما قد أصبحت مركز إغراء، بعيني أنهر ومن خلالهما أصعق السائلة، بنظرة تتفجر بإيمان كثيف يضيق به القلب.
أكان لا بد يا «لي لي» أن تضيئي النور؟! - أنا اسمي «لي لي» ما سمعتش عني؟
صوبت عيني، ارتدت نظرتي بصدام مع نظرة أقوى.
بالطبع سمعت عنها. إنها نصف إشاعات وأحاديث واستنكارات واستحسانات واتهامات وبراءات أهل الحي. «لي لي» أعجوبتهم بنصفها الإنجليزي ونصفها المصري، بشعرها الأحمر الطويل الكثيف وعيونها العسلية المصرية، «لي لي» ثمرة الزواج الذي دام أسبوعا بين أمها وبين عسكري إنجليزي اسمه «جوني» قضى مع «بديعة» الأم ليلة، ولم يفعل كشبابنا «الحدقين» ويكتفي بما أصاب من متعة ويفر، العبيط طلب منها في الصباح الزواج، وتم، وبعد أسبوع سافر، وبعدها لم يعد! مات في الحرب، وتكفل هذا الأسبوع الواحد بضمان معاش شهري لم تكن تحلم به «بديعة» ظلت تصرفه من السفارة البريطانية بشيك يأتي من لندن رأسا لمدى خمسة وعشرين عاما، معاش هو الذي أجرى في يدها النقود وأغراها أن تكون «بنكا» يمول صغار تجار المخدرات في حيها، وفي الحي نشأت ليلى كما سمتها أمها، و«لي لي» كما نادتها جدتها لأبيها وجدها حين حضرا من إنجلترا بعد الحرب خصيصا ليريا حفيدتهما، وكم من مبالغ عرضوها لتتنازل أم «لي لي» عن «لي لي»، وكم استعبطوها وشتموها، وكم رفضت، وبابنتها كروحها تمسكت، وعلمتها، ورغم الرجال الطالعين النازلين من عند أمها الجالسة معظم الوقت على عتبة الشقة وأحيانا على عتبة باب الشارع، كاشفة كل ما خفي من جسدها، لا يهمها من حي هي فيه صاحبة مال، وصبيانها رجال، وعلاقاتها علنا وعلى رءوس المارة والجيران، و«لي لي» ستعلمها، ولآخر المدى، وستجعل منها ست الستات.
والخواجاية مغرية، فإذا كانت الخواجاية مصرية كان الإغراء أكبر، تعلمت «لي لي» أو لم تتعلم. وتعلمت ولم تتعلم، طموحة كانت، من صغرها وهي تحس أنها أرقى ولا بد أن تكون الأرقى، وحتى وهي تعب المشروبات الرخيصة في الكباريهات منضمة إلى الفرق الأجنبية، وتقضي الوقت تتردد على مكاتب ريجسيري الدرجة الثانية كانت تؤمن تماما أنها يوما ما ستصبح ست الستات، وسيسجد لها العالم، وتكون أشهر وأمتع امرأة فيه. - ربنا يفتح عليك، وينور لك طريقك. - طب ما تنورهولي أنت، ينوبك ثواب! - النور لا بد من الداخل، من القلب، نورك في إيدك.
أكان لا بد يا «لي لي» أن تضيئي النور؟!
أكان لا بد؟! - عايزاك تعلمني الصلاة. - عندي كتاب خذيه. - أنا عايزة درس خصوصي! - أستغفر الله العظيم، روحي الله يغفر لك ويسهل لك.
انقطع المعاش، وجفت النقود، وكبرت المعلمة، ومرضت، ولم يعد هناك إلا ما تكسبه «لي لي» من قروش.
أكثر من مرة حاولت تفاديها فكانت تقتحمني. عيونها شرارة كهرباء تخترق الهواء، قافزة من قطبها المصري إلى قطبها السكسوني. جمالها طاغ على الحي محرم. بالقوة حاولوا، بالنقود، بالزحف على البطون، «لي لي» لا تقرب إلا الأجانب، لم تكن تقول، ولكنه السر، سرها الدفين. في النهاية كعهدهم أمام كل مستعص قبلوها كما هي، احترموا أنها ليست لأحد، وما دامت كذلك فهي للكل، يحمونها، ويوصلونها، أخت الجميع المحرمة المرغوبة. •••
अज्ञात पृष्ठ