والعرب يرون أن إلمامهم من كل فن بطرف يدل على وفرة معارفهم وسعة اطلاعهم، أما ما عرفوه حقا ونبغوا فيه فهو انصرافهم إلى صيانة ثرواتهم التي لم تتعرض لخطر ما منذ عشرات السنين؛ فمدينة بيروت كانت مسرحا لبعض الحوادث التي ألحقت ضررا كبيرا بالأهالي. بيد أنها أدت خدمات جلى إلى التجار الذين أحسنوا الاستفادة من الظروف في الأمكنة التي يبيعون فيها ويشترون.
وأستطيع القول بعد أن رأيت ما رأيت من السعة التي ظهرت في إسكلة بيروت، عندما ازدهرت فيها الأعمال التجارية: إنها - بوجه نسبي - أكثر ثراء من دمشق وحلب. إننا لا نجد اليوم شخصا بيروتيا مرموقا لا يملك - على الأقل - بيتا في الجبل. وفي هذه الأبنية التي تغمرها غالبا روح الفخفخة أكثر من الذوق السليم، تدفن معظم الثروات. إن حب البناء هو بصورة عامة داء معد عند الشرقيين. إنهم يحرمون بذلك أنفسهم من رأس مال يدر عليهم أرباحا وافرة لو بقي في صناديقهم، ويساعدهم على توسيع دائرة أعمالهم دون أن يضطروا في الساعات الحرجة - وهم معرضون لذلك كثيرا - إلى الاستدانة المهلكة بفائدة أربعة أو خمسة بالمائة عن كل شهر.
إن البيروتيين شعب مسالم هادئ، ومع ذلك لا يستنكرون الاغتياب والنميمة، وإذا حصلت منازعات ما بسبب هذه الوشايات فإن الأصدقاء المخلصين أو الكهنة يتدخلون حالا؛ وهكذا يسود الأمن وتعود السلامة إلى مستقرها. والعرب في كل حال ليسوا بحقودين، وإننا نستطيع القول إن أخلاقهم لا تزال تحافظ على شيء من بساطتهم وطهارتهم الفطرية.
إن حفلات الزواج المسيحية تختلف في بعض الأمور عن الاحتفال به عند المسلمين؛ فعند تحرك الموكب الذي جاء لأخذ العروس،
1
تأخذ هذه تظهر الإحجام عن الذهاب، ويأخذون هم في استعطافها لتمشي وتسرع، أما هي فتصر على الإبطاء، فيتدخل الأقارب والأصدقاء، والإشبين والإشبينة (شاهدا الزواج) بنوع خاص، فتستجيب لطلباتهم الملحة، وتتقدم خطوات، ولكن لتعود إلى ذلك بعد هنيهة، وهكذا تتجدد وتتكرر هذه الخطة الحربية مرارا ... ومتى بلغت بيت العريس وأدخلت إليه، تجلس على منصة - صندوق أو ما يوازيه علوا - غاضة طرفها. إنها تجمد كالصنم لا تتحرك، وعلى الزوج أن يطعمها، فيملأ الملعقة ويقدمها لها. أما هي فلا تفتح فمها إلا بعد ألف رجاء. إن التوسلات الحادة تتصاعد من أفواه جميع الحاضرين، ولما كان لا يليق بالعروس أن تتكلم، فإنها تقابل هذه الأحاديث اللطيفة التي تدور حولها بصمت ثابت الجأش، وإذا اضطرت للجواب فإنها تميل برأسها إلى الوراء لتقول لا، وترجعه إلى الأمام لتقول نعم.
إن مشغلة الزوجة العظمى هي أن تقبل أيدي جميع الذين يدخلون البيت الذي تكون فيه مع المدعوين، وإذا خرج أحد هؤلاء وعاد بعد قليل فتقبيل يده واجب أيضا. أما إذا كان الداخل زوجها فإن القبلات تكون أوسع نطاقا.
أما عند الأرمن، فالزوج عندما يقدم إلى امرأته - بعد أن يقتبل بركة الزواج - فإنه يرفع الحجاب الأحمر الذي يغطيها بحد السيف الذي يسلمه إياه الكاهن، بعد أن يكون قد وضعه بين العروسين خلال الاحتفال الديني لمباركة عقد زواجهما.
إن العروس لا تلبس ثيابها ولا تتزين إلا في بيت عريسها، وذلك قبل أن تتقدم إلى الكاهن، وقد نسيت أن أقول إنه من الشائن أن يحضر الشاب العريس الاستعدادات التي يقام بها لحفلة عرسه، بل عليه أن يختبئ برصانة ودهاء فلا يعثر عليه إلا بعد مشقة وعناء.
هوامش
अज्ञात पृष्ठ