إن اللبنانيين على جانب كبير من القناعة، وأمنيتهم الوحيدة تدخين الغليون. وهذه القناعة تغتفر لهم لأنهم يحيون حياة قاسية.
قلما يطبخ الفلاح. وقوام فطوره الخبز والثمار المجففة إن لم تكن في أوانها. أما في المساء فيأكل البرغل والعدس المتبل بالزيت أو السمن بعد أن يمزج باللبن، مستعينا على إثارة قابليته بالتهام البصل. الزيتون نادر الوجود في بعض النواحي، وهكذا يصبح شيئا نفيسا إذا ما وضع على المائدة. أما الأمكنة التي يكثر فيها فإنه يكون قوام الفطور.
يأكل الفلاحون بعض أعشاب يقتلعونها من الحقول أو البساتين، ثم يقلونها بالزيت ويطبخونها بطرق مختلفة. وإذا ما أراد الفلاح أن يأكل ويشبع فإنه يرجع إلى مئونته، وتكون من لحم الخروف ذي الألية الضخمة، وتعلف واحدا منه كل عائلة وتذبحه في أوائل الشتاء. إن هذا اللحم يقلى بعد أن يقطع أجزاء صغيرة ويحفظ في دهنه ليؤكل في بحر السنة.
وأتساءل هنا عما يمكننا استنتاجه بعد أن عرفنا هذه الألوان من الطعام؛ لأن روسو يقول: «يمكننا أن نحكم على أخلاق الشعوب إذا عرفنا أنواع المأكولات التي تأكلها أكثر من غيرها.»
إن كسل الجبليين بالغ حده، وهو لا يتفق أبدا وقوتهم التي تجعلهم أهلا أن يقوموا بكثير من الأعمال. ولكن يكفي أن يكون آباؤهم لم يتعاطوا تلك الأعمال حتى يروا أنفسهم غير ميالين إليها فلا يهتمون بها. ومع ذلك فالجبليون فضوليون جشعون، وهذا الأمر يصعب تعليله. إنهم يفضلون التماس الصدقات على أن يشتغلوا، ويعدون التسول ضربا من الكيمياء.
تندر الأمراض الخطرة في الجرود العالية؛ فهنالك يعيشون حتى التسعين عاما. وكثيرون هم الذين لا يموتون في هذا العمر لأنهم لم يلاقوا اعتناء كافيا، أو لأنهم حرموا المآكل الجيدة.
إن سكان الجبل فقراء جدا، وأكثرهم لا يملكون غير قميص يضطرون إلى غسله نهار السبت؛ ففي هذا النهار نرى الفلاحين والفلاحات يرتدون ثيابا ممزقة، وقد أظهروا عريهم للمارة. أما في اليوم التالي فيرتدون ثياب الأحد.
ترتدي النساء فساطين زرقاء، ويشددن خصرهن بزنار تزينه بضع قطع من الفضة. والطنطور - الذي يلف حوله برقع لا يمكن الاستغناء عنه - هو غطاء الرأس عندهن. أما الفلاحات الفتيات فيحل عندهن الساتان المقلم محل النسيج، ويرتدين جبة الجوخ (على الأخص) يحيط بها كشكش صغير. والنساء يزين أسفل سراويلهن بتطريزها بالخيوط الحريرية. أما باقي أعمال الزينة فتكون حسب البحبوحة التي هن فيها.
والجبليون يستعملون المنديل أداة للزينة أكثر منه للغاية المعلومة. ويعملونه من قطعة نسيج يبلغ عرضها ثلاثين سنتيمترا. وهو يعلق حد كيس التبغ في الزنار، ويستعمل لمسح أطراف الأصابع عندما تتلوث أثناء قيامها بوظيفة المنديل. إن النساء لا يستعملن المناديل إلا في حالات قليلة، اللهم إلا في حالات الرشح التي يكن فيها مضطرات - حسب قولهن - أن يحفظن - كنساء أوروبا - جميع أوساخ الرأس في جيوبهن.
إنه ليصعب - في مجتمعات الرجال - أن يحافظ المرء في حديثه على نبرات متوسطة الارتفاع؛ فالجميع يريدون أن يتكلموا في وقت معا. والذين وهبوا رئتين قويتين يتغلبون على الآخرين بقوة بصوتهم؛ إذ يمكنهم أن يسمعوه ويتابعوه. فيا لتعاسة من يريد أن يبدي رأيه في هذه الجلبة الجهنمية! يجب أن يصرخ لا أن يتكلم، وفي أكثر الأحيان تذهب أتعابه أدراج الرياح.
अज्ञात पृष्ठ