وفي صورة أخرى بيضاوية الشكل، تقارب رأسا فتاتين حتى التصقت وجنتاهما. كانت إحداهما تتطلع إلى المصور في ثبات يعكس قوة واضحة في الشخصية، أما الثانية التي اعتمدت بخدها على الأولى، فقد رمت بنظراتها إلى المجهول في ابتسامة بلهاء.
وبدلا من تجمعات العرق والمقهى والعائلة الكبيرة، طالعتني الصور الانفرادية لشبان متأنقين، شق أحدهم شعر رأسه ناحية اليسار، مدليا خصلة خفيفة منه فوق جبينه، وطوى ياقة قميصه الصلبة عند طرفيها، بحيث استقرت حافتاهما فوق ربطة عنق عريضة، وثنى ساعده الأيسر ليمسك بسلسلة تدلت من جيب صداره.
وصفف آخر شعره إلى الوراء، وارتدى قميصا بياقة مزدوجة وربطة عنق على شكل الفراشة، أسفل بزة ضيقة بصفين من الزراير، وحمل في يده اليسرى قفازا، بينما اعتمد بمرفقه الأيمن على سياج خشبي وتطلع إلى المصور في تأمل. وارتدى ثالث طربوشا متوسط الطول، مائلا إلى اليسار، وياقة عالية صلبة، وسترة بصف واحد من الزراير، وتدلت من يده مسبحة، بينما ارتفع طرفا شاربه المدببان حتى وجنتيه.
ولم أملك نفسي من الابتسام وأنا أتأمل صورة لشاب عاري الرأس، في ملابس السهرة ذات الياقة الصلبة العالية والفراشة، جلس إلى مائدة تناثرت فوقها أوراق اللعب، منحنيا برأسه فوق اليد اليسرى لفتاة أنيقة، التي رفعها إلى شفتيه بطرف إصبعه السبابة؛ ليطبع فوقها قبلة والهة، وقد أسبل عينيه، بينما كانت الفتاة تتأمله باسمة.
وكان ثمة وقار مشوب بالوجوم في صور الزفاف. أو على الأقل في الصورتين اللتين أتيح لي تأملهما قبل أن يحل موعد الإغلاق. في الأولى وقف شاب عاري الرأس، خفيف الشارب، يرتدي ياقة مطوية ذات طرفين طويلين متقاربين بينهما عقدة صغيرة لربطة عنق مخططة، ويحمل قفازا أبيض في يده اليمنى، خلف العروس الجالسة، التي تزينت بثوب من الدانتيل عرى ساعديها من الكتف، وأوشك أن يكشف ركبتيها، وتزينت بكميات من الحلي؛ صفان من اللآلئ فوق جبينها ، وقلادات حول عنقها، وحول ذراعها في منتصف المسافة بين الكتف والمرفق، وسوار من اللآلئ حول رسغها، ثم الخواتم حول إصبعي الخنصر والبنصر من يدها الظاهرة التي استقرت في حجرها.
وفي الصورة الثانية ارتدى العريس طربوشا واطئا مال بشدة إلى اليمين حتى لمست حافته الحاجب، ومد شاربا كثا مدبب الطرفين في خط مستقيم فوق شفتيه، وانسدلت سترته حتى أسفل ركبتيه، كما اختفت يداه داخل قفازين أبيضين.
ووقفت العروس إلى يمينه، شابكة يدها المقفزة في ذراعه وقد غطاها فستان الزفاف من قمة رأسها إلى أخمص قدميها.
كنا آخر من غادر القاعة من روادها المعدودين، ومضينا على الرصيف المقابل للجامعة الأمريكية التي بدت كتلة من الظلام. استنشقت بلهفة عبير الأشجار الرطبة المطلة من خلف سور الجامعة. وتتبعت ببصري قضيبي الترام القديم اللذين امتدا إلى جور السور، والتمعا في الضوء الباهر المنبعث من دار للسينما تعرض فيلما ذا طابع جنسي.
تمهلنا أمام مبنى ينبعث منه ضوء خافت، وتبعت وديع فوق درجات قليلة، وعبر باب زجاجي، إلى قاعة أنيقة توزعت الموائد في جنباتها، وتغطت جدرانها الخشبية باللوحات الفنية.
اخترنا مائدة بجوار الواجهة الزجاجية المطلة على الطريق، فجلسنا متواجهين، وقد أعطى وديع ظهره للقاعة.
अज्ञात पृष्ठ